هل يكفي أن تكون صديقاً لإسرائيل لتفعل ما تشاء بمن تشاء

هل يكفي أن تكون صديقاً لإسرائيل لتفعل ما تشاء بمن تشاء؟!

هل يكفي أن تكون صديقاً لإسرائيل لتفعل ما تشاء بمن تشاء؟!

 العراق اليوم -

هل يكفي أن تكون صديقاً لإسرائيل لتفعل ما تشاء بمن تشاء

بقلم : عريب الرنتاوي
بقلم : عريب الرنتاوي

فتح لقاء عنتيبي المفاجئ بين رئيس الجنرال عبد الفتاح البرهان وبنيامين نتنياهو، الباب رحباً لنقاش لم يتوقف حتى اللحظة، تخطى حدود السودان إلى المنطقة العربية برمتها... مثلما تخطى مسألة "التطبيع"، المثيرة للجدل، بين بعض العرب والإسرائيليين، إلى "البعد الأخلاقي – القيمي" للسياسة الأمريكية في المنطقة، وكيف يتأثر هذا البعد على وجه التحديد، بإصرار واشنطن على دفع عملية "التطبيع" هذه للأمام، ووضع كل ثقلها خلفها، حتى وإن ترتب عليها "تعويم" أنظمة فاسدة وجنرالات لا حدود لشهيتهم السلطوية.
 
في التجربة السودانية الماثلة، نجحت المؤسسة العسكرية وقوات التدخل السريع التي هي امتداد لمليشيات "الجنجويد" التي عاثت فساداً وقتلاً وتخريباً في إقليم دارفور، في "احتواء" الثورة السودانية... التسوية التي أنهت شلال الدم في الخرطوم وأم درمان، أعطت "الجنرالات" من ورثة نظام المخلوع عمر حسن البشير، فرصة أربعين شهراً لالتقاط أنفاسهم، وتفريغ مرحلة الانتقال من العهد الشمولي المغلق إلى فضاء الديمقراطية التعددية، من مضامينها، وتألف الحكم السوداني الجديد من جناحين: عسكري يمثله تحالف البرهان – حميدتي"، ومدني تمثله قوى الحرية والتغيير مدعومة بالنقابات والمجتمع المدني والحركة النسائية والحراكات الشبابية.
 
وليس خافياً على أحد أن "المكون العسكري" في النظام السوداني الجديد، حظي بدعم وإسناد قويين من "المعسكر المضاد" لثورات الربيع العربي، والذي عمل ويعمل ما بوسعه لإجهاضها في مختلف ساحاتها، وأقصد على وجه الخصوص المثلث الإماراتي – السعودي- المصري، ولولا التدخل النشط للاتحاد الأفريقي ووساطته الفاعلة، لما أمكن للتسوية من المؤسسة العسكرية والقوى المدنية أن ترى النور، ولواصل جنرالات الجيش والجنجويد مقارفة المذابح في الخرطوم، وإلقاء الجثث في النيلين الأزرق والأبيض.
 
اليوم، يذهب الجنرال البرهان إلى عنتيبي في أوغندا، للقاء نتنياهو، بدعم وتشجيع من الولايات المتحدة وحلفائها من دول المثلث ذاته ... في الظاهر، يبدو أن الرجل بمسعاه للتقرب من إسرائيل و"التطبيع" معها، إنما يستعجل رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية السوداء للدول الراعية للإرهاب، لكن السودانيين الذي خبروا على مدى سنوات وعقود نوايا المؤسسة العسكرية وأحلام جنرالاتها السوداء، يدركون تمام الإدراك أن للجنرالات أجندة في الباطن، أبعد من حكاية "أمن السودان ومصالحه الوطنية العليا"، وإنها تتعلق أساساً، وقبل كل شيء، في انتزاع ضوء أخضر للبقاء في الحكم، بعد تفريغ المرحلة الانتقالية من مراحلها وأهدافها ومؤسساتها، والانقلاب رسمياً ونهائياً على أهم وأنبل ثورة شعبية واجتماعية يشهدها السودان في تاريخه المعاصر.
 
هنا يكمن السؤال: هل يكفي أن السودان "صديقاً" لإسرائيل حتى يستوفي شروط إزاحته من القائمة السوداء؟ ... وهل يكفي أن يقود جنرالاته قاطرة التطبيع معها، لكي يُغفَر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، وحتى يمنحوا شهادة حسن سيرة وسلوك تؤهلهم لتأبيد حكم العسكر والانقضاض على ثورة الشعب السوداني وتبديد التضحيات الثمينة التي دفعها أبناؤه من حيواتهم وأرواحهم؟
 
وإذا كان مفهوماً أن يفعل نتنياهو كل ما بمقدوره من أجل الوصول إلى استحقاق الانتخابات المبكرة الثالثة في الثاني من آذار المقبل بأكبر قدرٍ من "أوراق القوة"، فهل من المنطقي أن تضع الدولة الأعظم قدارتها ومواردها في خدمة هذا الهدف، الصغير على أية حال، حتى وإن أدى ذلك، إلى "المقامرة" بمصائر شعب بأكمله وتهديد منجزات ثورته؟ ... أي أثر ستتركه هذه السياسات في وعي المواطن العربي وفي تفكير قوى الإصلاح والتغيير العربية، وأية صورة يُراد تكريسها للولايات المتحدة في الوعي الجمعي للشعوب العربية، وما الذي سيتبقى في الأذهان عن "منظومة القيم" المحركة لسياسات واشنطن، والغرب عموماً، والتي طالما قيل إنها تمنح أصحابها تفوقاً أخلاقياً على خصومهم الإقليميين والدوليين؟
 
ومما زاد الطين بلّة، أن صحفاً ومصادر أمريكية مرموقة، نقلت تزامناً مع لقاء عنتيبي، أخباراً مفادها أن حوارات ثلاثية تدور في القنوات الخليفة، بين إسرائيل والولايات المتحدة والمغرب، تهدف لإنضاج "صفقة" يتم بموجبها "تطبيع كامل" للعلاقات بين الرباط وتل أبيب من جهة، نظير قيام الولايات بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، الأمر الذي أثار جدلاً وانقساماً لم ينتهيا بعد في طول المغرب وعرضه ... هنا أيضاً، يقفز السؤال: هل يمكن ربط أحد أهم مبادئ ويلسون حول "حق الشعوب في تقرير مصيرها"، بقضية تكتيكية "صغيرة" من حجم "تعويم" نتنياهو قبيل الانتخابات؟ ... هل يمكن للدولة الأعظم أن تبني موقفها من "حق تقرير المصير" و"السيادة" و"الوحدة الترابية"، على منفعة انتهازية مؤقتة وطارئة، لحليفها الإسرائيلي الذي يواجه تهماً بالفساد وتلقي الرشى وسوء الأمانة... كيف سينعكس هذه الموقف على النزاع الجزائري المغربي الممتد، وكيف ستمتد آثاره إلى "الانتفاضة الجزائرية" الممتدة لأكثر من خمسين أسبوع على التوالي، وما الذي سيستقر في وعي شعوب المنطقة الجمعي، حول دوافع ومحركات السياسة الخارجية الأمريكية، ومن ذا الذي سيكون بمقدوره الدفاع عن "منظومتها القيمية" بعد الآن؟
 
ولسنا نستبعد أبداً، أن تقع "المفاجأة" التالية، من العيار نفسه، ولكن في ليبيا هذه المرة، فالجنرال المطعون في "شرعيته"، الباحث عن "الشرعية"، والمدعوم من مصر والسعودية والإمارات، ربما يحذو حذو الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي كان سيّر مئات وألوف "المرتزقة" السودانيين للقتال في صفوف الجنرال الليبي خليفة حفتر، وبدعم وتمويل وتجنيد من قبل بعض أطراف المثلث الذي قاد ويقود "المعسكر المضاد" لثورات الربيع العربي.
 
والحقيقة أن الولايات المتحدة شجعت تاريخياً، حكومات وحكاماً عرب على سلوك هذا الطريق فالمملكة العربية السعودية التي واجهت تحدي الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001، بما استبطنه من اتهامات صريحة ومضمرة لها من واشنطن، بتشجيع الإرهاب ونشر ثقافته وأيديولوجيته، لم تجد غير التقرب من إسرائيل من وسيلة لتحسين صورتها في الغرب، والولايات المتحدة بخاصة، ولقد شرح الكاتب في نيويورك تايمز توماس فريدمان في حينه، الملابسات التي أحاطت بصياغة وطرح "مبادرة الأمير عبد الله"، والتي ستصبح بعد القمة العربية في بيروت عام 2002، مبادرة السلام العربية، لتحمل عرضاً بالتطبيع العربي الشامل مع إسرائيل نظير الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية.
ثم أن موجة "التطبيع" العاتية التي تجتاح دولاً خليجية اليوم، هي بنظر قادة هذه الدول، "شبكة الأمان" التي يمكن أن تحميهم من المحاسبة والمساءلة، جراء مغامراتهم غير المحسوبة في اليمن أو في القنصلية السعودية في إسطنبول وغيرهما، بكل ما أفضت أليه من انتهاكات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفقاً لتقارير المنظمات الدولية ... والأهم من كل هذا وذاك، أن "التطبيع" مع إسرائيل، بات وسيلة هذه الأنظمة لتأبيد بقائها في الحكم، وحفظ التوازنات في علاقاتها البينية المضطربة سواء داخل المنظومة الخليجية ذاتها، أو مع الضفة الأخرى للخليج العربي: إيران.
 
هنا، وهنا بالذات، تسود القناعة أوساط الحكم والحكومات والرأي العام العربي، سواء بسواء، أن بمقدور أي حاكم أو حكومة في العالم العربي، أن يفعل ما يشاء بشعبه، وأن يقارف ما طاب له من انتهاكات بحقه أو بحق دول الجوار وشعوبها، طالما انه يحتفظ بعلاقات "طبيعية" مع إسرائيل، وأن هذا "التطبيع" يصبح شيئاً فشيئاً، بمثابة "جواز سفر" هؤلاء لواشنطن، ألم يتلق البرهان أول اتصال له بعد لقاء عنتيبي من مايك بومبيو؟ ... ألم يتلق أول دعوة لزيارة واشنطن بعد ذلك اللقاء من زعيم الدبلوماسية الأمريكية؟
 
والخلاصة، أن هذه المقاربة يمكن أن تنفع في تحقيق أغراض تكتيكية – آنية لواشنطن أو لحليفتها "المدللة": إسرائيل، بيد أن عواقبها وتداعياتها على المديين المتوسط والبعيد، ستكون مدمرة بالنسبة لمستقبل مشروع التغيير والإصلاح في العالم العربي، وللعلاقات العربية الأمريكية، واستتباعاً لمستقبل مسارات السلام بين العرب والإسرائيليين، فهل يدرك بعض الساسة، قصار النظر، أنهم يقارفون الكثير من الأخطاء والخطايا إذ يصرون على تبني هذه المقاربة الفجّة والصادمة؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يكفي أن تكون صديقاً لإسرائيل لتفعل ما تشاء بمن تشاء هل يكفي أن تكون صديقاً لإسرائيل لتفعل ما تشاء بمن تشاء



GMT 20:24 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

حزب الله والارتياب والتدويل

GMT 22:45 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

عن دلالات «واقعة أربيل» وتداعياتها

GMT 22:43 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

المنسي في وادي الملوك

GMT 10:32 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

تكاملُ اللامركزيّةِ والتدويل في لبنان

GMT 23:43 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

طهران ترى بايدن ضعيفاً

GMT 23:41 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

مسألة حمض

GMT 13:41 2019 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 21:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 19:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 18:00 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

نانسي الزعبلاوي تحضر لأغنية جديدة مع "ميوزك تون "

GMT 09:59 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

التحالف الدولي يقصف جسرًا للجيش السوري في ريف دير الزور

GMT 14:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

السريحي يخوض تجربة احترافية في الدوري الفرنسي

GMT 12:03 2013 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"سوني" تطرح حاسب "فايو ديو 13" المحمول في الإمارات

GMT 16:48 2018 الثلاثاء ,20 آذار/ مارس

فيديو كليب True Love لمسرحية Frozen على مسرح برودواى

GMT 03:19 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

دانا حمدان سعيدة بنجاح "الطوفان" وشخصيتها بالعمل

GMT 23:57 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية العناية بالشعر المجعد والطرق المناسبة

GMT 11:43 2016 السبت ,18 حزيران / يونيو

اكتشفي كيفية اختبار الحمل في البيت

GMT 04:19 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

الكشف عن تفاصيل مقتل الراقصة التركية "ديدم"

GMT 02:43 2018 الأحد ,09 كانون الأول / ديسمبر

الإعلامية المصرية سميرة الدغيدي تُعلن عن بيع قناتها" LTC"

GMT 19:19 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أسعار ومواصفات "هيونداي إلنترا 2019" المتاحة في مصر

GMT 01:12 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم "السر 21" يجمع المخرج خالد يوسف والمُنتج كريم السبكي

GMT 01:42 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"تحريم" اللقاح يهدد بتفشي الحصبة في إندونيسيا
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq