صعود الفاشية تحت عباءة اليمين الشعبوي

صعود الفاشية تحت عباءة اليمين الشعبوي

صعود الفاشية تحت عباءة اليمين الشعبوي

 العراق اليوم -

صعود الفاشية تحت عباءة اليمين الشعبوي

عريب الرنتاوي
بقلم : عريب الرنتاوي

يحمل اليمين الشعبوي المتطرف في تلافيف خطابه السياسي والفكري، بذوراً فاشية جديدة، تتهدد المنجز الحضاري الديمقراطي للبشرية جمعاء ... ولا يبدو أن ثمة دولة ديمقراطية واحدة، باتت بمنجى عن صعود هذه الظاهرة، وإن كانت أوزانها تختلف من دولة إلى أخرى.

الزلزال الأكبر، ضرب الولايات المتحدة في انتخابات 2016 ومجيء إدارة دونالد ترامب إلى سدة الحكم، مدججة بخطاب الكراهية والسياسات المناوئة للاجئين، إدارة معادية للإعلام والنساء والملونين عموماً، وهي مسؤولة أكثر من غيرها، عن حالة الانقسام والاستقطاب والتوتر والعنف التي يعيشها المجتمع الأميركي، دع عنك تأزيم العلاقات الدولية وتسميمها.

أمس انضمت البرازيل، واحدة من كبريات الديمقراطية في العالم، إلى قائمة الدول المضروبة بهذا «التسونامي»، رئيسها الجديد جابير بولسونارو، مثل ترامب، لا يكف عن تمجيد الديكتاتوريات، ويتهدد شعبه بقبضة حديدية صارمة، وربما إعادة الدكتاتورية وفرق القتل والإعدام خارج القانون، تماماً مثلما فعل ويفعل زميلٌ له على مبعدة مئات آلاف الأميال في الفليبين، رودريغو دوتيرتي الذي أطلق العنان لفرق القتل الميداني لتعيث قتلاً وحرقاً من دون مسوغ قانوني، وعلى طريقة الميليشيات والعصابات.

قبل هذا وذاك، كانت أوروبا مسرحاً لصعود اليمين الشعبوي المتطرف، وهو وإن لم يصل للسلطة في معظم البلدان، فقد شارك فيها، وحل أولاً وثانياً وثالثاً في الانتخابات، وارتفع نفوذه كما يحصل من قبل ... في السويد سجل حزب «ديمقراطيو السويد» أفضل نتيجة انتخابية في تاريخه، وحلّ ثالثاً في البرلمان... وفي إيطاليا تمكّن حزب «رابطة الشمال» اليميني المتطرف من قيادة تحالف تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية 2018، وتمكنت حركة «خمس نجوم» الشعبوية المعادية للمؤسسات من تحقيق أفضل النتائج الحزبية المنفردة، بحصولها على ثلث أصوات الناخبين.

أما في ألمانيا، فقد سجل حزب «البديل من أجل ألمانيا» ولا يزال يسجل تقدماً في الانتخابات البرلمانية والمحلية، فيما حركة «بيغيدا» اليمينية المتطرفة، تعد قوة سياسية لا يستهان بها، ميّالة للعنف والفوضى، خصوصاً ضد المهاجرين.

وفي فرنسا تمكّنت زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، مارين لوبان، من الوصول إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت في نيسان العام 2017، وحصدت أكثر من ثلث أصوات الناخبين الفرنسيين.

وليس الوضع في بريطانيا أفضل من شقيقاتها، فقد قاد حزب الاستقلال الشعوبي المملكة المتحدة في مسيرة «البريكست» ... وفي هولندا يقود حزب الحرية البلاد لمصير مشابه ونجح الحزب بزعامة فون غيرت فيلدرز في تسجيل مكاسب انتخابية... وفي النمسا فاز حزب «الحرية» بزعامة نوبرت هوفر بأكثر من ثلث الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ... وفي الدنمارك ـ يعد حزب الشعب الدنماركي القوة الثالثة في البرلمان... أما في اليونان، فقد عزز حزب الفجر الذهبي انتخابات العام 2015 مستفيداً من تداعيات الأزمة المالية، وتحول اليونان إلى بوابة لاستقبال موجات اللاجئين.

الوضع في أوروبا الشرقية ليس أفضل حالاً ... هنغاريا، بولندا، التشيك وسلوفاكيا تلعب أحزاب اليمين الشعبوي أدواراً متزايدة... رئيس الحكومة في هنغاريا من هذه المدرسة، وفي بولندا يقود حزب القانون والإنصاف هذا التيار... وكذا الحال في بقية هذا الشطر الأوروبي الملتحق حديثاً بقطار الديمقراطية.

عديدة هي الأسباب التي تقف وراء ظاهرة صعود اليمين الشعوبي المتطرف، فاشي النزعة والملامح ... الأزمة الاقتصادية واحدة منها، تعاقب موجات الهجرة واللجوء، تفاقم التهديد الإرهابي، فشل الأحزاب التقليدية من يسارية ويمينية وانهيار الثقة بقياداتها وانعدام الفوارق بين برامجها، تفشي الخشية من اشتداد هبوب رياح العولمة أو السرعة المتزايد للاندماج الأوروبي، تعاظم دور وسائط التواصل الاجتماعي وثورة المعلومات والاتصالات، عظمت فرص الخطاب الإيديولوجي العقائدي على الانتشار... تنامي مظاهر الجريمة والفساد خصوصاً في ديمقراطيات الأطراف: الفليبين والبرازيل وغيرهما ... لا مجال لحصر كافة الأسباب في هذه العجالة، وكل سبب منها يلعب أدواراً متفاوتة من دولة إلى أخرى.

إن ما يجمع أحزاب اليمين الشعبوي، من قواسم ومشتركات، أكثر مما يميزها ... فهي تعتمد خطاباً ذا طبيعة قومية – شوفينية (دينية أحياناً)، وهي كارهة لليسار والاشتراكيين الاجتماعيين عموماً، وهي معادية للأجانب والمهاجرين وأحياناً لأتباع الديانات الأخرى والملونين، وهي مروّج بشع للإسلاموفوبيا، وهي تنحو باتجاه الانغلاق القومي والحمائية الاقتصادية والتقوقع بديلاً عن العولمة ... والخلاصة، أنها جميعها تشكل تهديداً ماحقاً للديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والعيش المشترك والحوار، وتنذر إن سنحت لها الفرصة، باستعادة نظم الحكم الفاشية والشمولية الديكتاتورية.

نقلا عن الأيام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صعود الفاشية تحت عباءة اليمين الشعبوي صعود الفاشية تحت عباءة اليمين الشعبوي



GMT 22:45 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

عن دلالات «واقعة أربيل» وتداعياتها

GMT 23:42 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

مخاوف مشروعة

GMT 21:09 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 17:33 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

تتحدى من يشكك فيك وتذهب بعيداً في إنجازاتك

GMT 13:45 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

أبرز صيحات موضة بدلات ملونة بستايل عصري وجديد

GMT 13:25 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

مجموعة من مجوهرات عروس فخمة من وحي أهم النجمات

GMT 01:30 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مايكروسوفت تجعل متصفح Edge أسرع وأكثر عملية

GMT 13:00 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

طريقة إعداد حلوى "تشيز كيك اللوتس" الشهية

GMT 19:38 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

واتساب تعلن عن خاصية مشاركة المكان بشكل مباشر

GMT 22:26 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

الشباب يواصل تدريباته على ملعب الأمير خالد بن سلطان

GMT 19:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير أممي من تعرض اليمن لأكبر مجاعة يشهدها العالم

GMT 01:22 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

صيحات مميّزة للحقائب باللون الأبيض لصيف 2018

GMT 21:44 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

زياد نكد يطبع بصمة ملفتة في عالم هوت كوتور

GMT 13:51 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

توقعات ماغي فرح للأبراج في عام 2021

GMT 00:20 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 20:57 2019 الثلاثاء ,16 تموز / يوليو

"شانيل" تطلق مجموعة مجوهرات راقية جديدة

GMT 05:34 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

طحنون بن محمد يعزي بوفاة سيف عبيد المنصوري
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq