الفلسطينيون وفقه الأولويات

الفلسطينيون و"فقه الأولويات"

الفلسطينيون و"فقه الأولويات"

 العراق اليوم -

الفلسطينيون وفقه الأولويات

بقلم - عريب الرنتاوي

دخل السجال الفلسطيني حول نتائج أعمال دورة المجلس المركزي الثامنة والعشرين ومقرراتها الختامية، في نفق مظلم، أو ربما في متاهة أضفت على الوضع الداخلي المعقد أصلاً، مزيداً من التعقيد، وطفت على السطح مقالات وتصريحات، حفرت بعيداً وعميقاً في دلالة النص، وفككت كل كلمة وسطر على أمل أن تعثر على ما يدعم وجهة نظر أصحابها، مع أن المطلوب في اللحظة الفلسطينية الراهنة، خلاف ذلك تماماً.

بدأ الأمر بـ»تحليل النوايا» وسبر أغوار النفوس التي وقفت خلف البيان والمقررات والصياغات ... من قائل بأن القوم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بعد أن ضُربت رؤوسهم بجدار التعنت الإسرائيل والانحياز الأمريكي السميك ... إلى قائل بأن القوم، لم يقطعوا مع «التجربة المرة»، وأن في نفوسهم شيئا من «حتى» على حد تعبير البليغ العربي الشهير ... إلى ثالث بدأ في إجراء العد العكسي للحظة التراجع عن قرارات المجلس، التي وإن رأى فيها تقدماً ملموساً للأمام، إلا أن عقليته وبنيته النفسية والسلوكية تأبى عليه التسليم بالأمر.

والحقيقة أن مقتضيات اللحظة الفلسطينية الراهنة، والتي يتفق الفلسطينيون جميعاً على أنها استثنائية ومصيرية وحافلة بـ»المؤامرات» و»المشاريع التصفوية»، كانت ولا تزال، تملي على هؤلاء التصرف على نحو مغاير، وبعقلية مختلفة ... فإن كان هناك تقدم في مواقف القيادة الفلسطينية ومقارباتها، فليبنوا على الشيء مقتضاه، وليشرعوا في أوسع عمليات حشد التأييد وحملات الضغط الشعبية والفصائل، من أجل ترجمة هذه القرارات، والارتقاء بمستواها وسويتها ... الباب فُتح لأمر كهذا، ومطلوب ان تدلف منه مختلف القوى من أجل الوصول بتطلعاتها المشروعة و»سقوفها» المرتفعة إلى نهاياتها وخواتيمها.

فصائل لم تطلق النار منذ عشرين عاماً أو يزيد، أرهقتنا ببكائها على صدر «الكفاح المسلح»، مع أن أحداً لم يمنعهم من فعل ذلك، بل وفي مراحل سابقة، كان الأمر مطلوباً، ولم نر منهم شيئاً... هؤلاء لا يؤمنون بنظرية «أضعف الإيمان»، مع أن إيمانهم «سكر خفيف»، ولم يفكر أحدٌ منهم بطرح شعار «لنتحد في ميدان المقاومة الشعبية» ضد الجدار والاستيطان وذوداً عن القدس والأقصى والمقدسات.

المجلس فتح الباب أمام دفع عملية المصالحة، قبل أن يرتد – الباب – على فاتحيه، ويندلع السجال بين الحكومة وحماس، حول من المسؤول عن تعطيل المسار التصالحي، وإذ لا يتوانى أحدٌ عن تدبيج قصائد المديح وأناشيده بالمصالحة وضرورتها الاستراتيجية ودورها كرافعة في مواجهة الاستعمار الاستيطاني، نرى أن البحث والخلاف، يكاد يتركز حول «تقاسم الحصص»، ومن يقوم بالجباية ومن يدفع رواتب الموظفين، أو بالأحرى رواتب المحسوبين على هذا الفريق أو ذاك.

وإذا كانت قرارات المجلس، على عجرها وبجرها، قد بعثت بصيص أمل في استنهاض الحالة الفلسطينية وخروجها من عنق زجاجة المراوحة والرهانات البائسة واليائسة، فإن عودة التراشق بين طرفي الانقسام، كان، وسيكون لها أفدح الضرر في تبديد هذه المناخات، وتفويت الفرصة على توظيف اللحظة الصعبة لتحويلها من تحدٍ إلى فرصة.

المجلس والرئيس، تحدثا عن «نفضة» في مؤسسات المنظمة وبعث مؤسساتها من جديد، لنبدأ من هنا، ولنجعل من هذا الموضوع شغلنا الشاغل، في أوساط الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل والمحاصر وفي الشتات ... لكن بدل ذلك، وبدل أن تتحرك القوى الشعبية أو يجري تحريكها خدمة لهذا الهدف الاستراتيجي، نصرف الوقت والجهد في البحث المعمق في تحليل النصوص والنفوس على حد سواء.

ينسى كثيرون أو يتناسون، أن العبرة كلها، ليست في النصوص، لا في نصوص البيانات ولا في نصوص الاتفاقات المبرمة، بل فيما يعتمل في نفوس واضعيها والقائمين عليها ... فإن أخلصوا لقضية شعبهم ووطنهم، لن يمنعهم نص أو اتفاق او بيان، من اختيار الطريق الصحيح ... وإن ولغوا في التردد والمراوحة والتخاذل، لن تحركهم كل المناشدات والقراءات المعمقة والتحليلات العميقة، والأمر من قبل ومن بعد، يتصل بتوازنات القوى على الأرض، فهي التي تعطي النصوص معناها الحقيقية، وهي التي تشكل النفوس وتعيد تشكيلها، فأين نحن من هذا

«الطريق القويم» للوصول إلى أولوياتنا؟

قلنا في معرض التعليق على قرارات المجلس وكلمة الرئيس الافتتاحية، إن العبرة في النتائج، وأن العبرة في ترجمة القرارات والتوصيات، وأن الأمرين معاً، رهن بتوفر أو توفير، خلق أو تخليق إرادة سياسية وحوامل اجتماعية قادرة على استئناف المشروع الوطني ومواصلته ... ويقضي «فقه الأولويات» أن يصرف الفلسطينيون، وفصائلهم المنظمة بخاصة، ويسارهم على نحو أخص، جل وقتهم، إن لم نقل كله، في إعادة بناء عناصر القوة والاقتدار، وإعادة التوزان إلى الحركة (النظام) السياسية الفلسطينية التي تشكو اختلالاً فادحاً، وتجاوز حالة «الثنائية القطبية» على الساحة الفلسطينية ... هنا مربط الفرص، هنا الوردة فلنرقص هنا، وإن لم تكن اللحظة الناجمة عن قرارات ترامب، والفرصة التي استبطنتها قرارات المجلس وتوصياته الختامية، هي المناسبة لفعل ذلك، فمتى ستحين الفرصة؟.

المصدر : جريدة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفلسطينيون وفقه الأولويات الفلسطينيون وفقه الأولويات



GMT 22:45 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

عن دلالات «واقعة أربيل» وتداعياتها

GMT 23:42 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

مخاوف مشروعة

GMT 21:41 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 19:36 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

الدكتور ماهر عبدالوهاب لـ"العرب اليوم":

GMT 13:01 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

دراسة تكشف فوائد وسلبيات حمية البيض لفقدان الوزن

GMT 16:59 2020 الخميس ,10 أيلول / سبتمبر

"دويتشه بنك" يتوقع حلول "عصر الفوضى"

GMT 08:21 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

أمل كلوني تخطف الأنظار في أحدث جلسة تصوير

GMT 03:51 2018 الأحد ,04 شباط / فبراير

تعرفي على طرق صحية وفعّالة لتطويل الشعر

GMT 22:06 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

حامد إسماعيل ينتظم في تدريبات السد القطري

GMT 16:39 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

5 أفلام جديدة اختار صناعها أسماء غريبة للفت الانتباه

GMT 02:27 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

إيمان سلامة ترفض تجسيد شخصية سعاد حسني في أي عمل درامي

GMT 20:00 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

سعر الجنية المصري مقابل الجنيه سوداني الأربعاء

GMT 13:44 2018 الإثنين ,04 حزيران / يونيو

انتهاء عقد اللاعب عوض خريص مع نادي الاتحاد

GMT 11:11 2018 السبت ,14 إبريل / نيسان

تعرف علي أفضل المطاعم المميزة في روسيا

GMT 06:25 2018 الثلاثاء ,03 إبريل / نيسان

العلماء يؤكّدون أن الكاكاو مصدر غني بالمعادن
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq