حروب اليمنيين وحروب الآخرين عليهم

حروب اليمنيين وحروب الآخرين عليهم

حروب اليمنيين وحروب الآخرين عليهم

 العراق اليوم -

حروب اليمنيين وحروب الآخرين عليهم

بقلم - عريب الرنتاوي

ظنّ فريق "الشرعية" في اليمن وداعموه الإقليميون، أن قيام الحوثيين بتصفية الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعدد من أنصاره، قد أضعف الجبهة الشمالية، ونزع غطاء "شرعياً" لطالما تغطوا به، وأفضى إلى انفضاض أنصار الرئيس وعشائر غلاف صنعاء عن "أنصار الله"، ما أنعش الرهانات (الأوهام) حول فرص الحسم العسكري، و"تسوية الحساب" مرة وإلى الأبد، مع "الإنقلابيين".

لكن ما غاب عن تفكير "الشرعية" وأنصارها وداعميها، أن فريقهم بالذات، لم يكن بمنأى عن هذا النوع من الانقسامات، وأنه كان نهباً للتمزق منذ أمدٍ طويل نسبياً، إلى أن جاءت أحداث عدن ومعاركها الأخيرة، بين الإخوة الأعداء إياهم، لتبدد فرحة هذا الفريق بنزاعات الفريق الآخر وانقساماته، إذ تبين أن صراع الضواري في الجنوب و"المحافظات المحررة" لا يقل ضراوة عن صراع الضواري في الشمال ... لا أحد أحسن من أحد، و"إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس".

عدن كانت خلال الأيام القلائل الفائتة مسرحاً لمعارك ضارية، أسقطت ما يقرب من 150 قتيل وجريح بين أنصار المجلس الجنوبي الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي من جهة وقوات الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي ... الفريق الأول، مدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة، والفريق الثاني محسوب على المملكة العربية السعودية.

وبالعودة إلى الأزمة اليمنية وسياقاتها، كان واضحاً أن التحالف العربي، الذي يخوض حرباً في اليمن وعليه، تقترب من دخول عامها الرابع، لا تجمع أطرافه سوى قضية واحدة: العداء لإيران، واستتباعاً لحلفائها في اليمن: الحوثيين ... ودون ذلك، لا يبدو أن ثمة رؤية واحدة وأهدافاً وأولويات مشتركة تجمع أركان هذا التحالف والدول الرئيسة المنضوية في إطاره وتلعب دوراً قيادياً في تسيير أعماله وعملياته.

فالإمارات تعطي جنوب اليمن، وتحديداً عدن، الأولوية الأولى، حتى لا نقول الأولى والأخيرة، وعندما بسطت قوات التحالف وأنصارها سيطرتها على المدينة، جاء في "زلة لسان" لوزير إماراتي أن حرب الإمارات في اليمن قد وضعت أوزارها، قبل أن يعود ويعدل عن أقواله، بعد "عتب" سعودي شابه الامتعاض، ليؤكد تماسك التحالف واستمرار الحرب حتى دخول صنعاء وإسقاط الانقلاب والإنقلابيين.

عدن على اليابسة، وسوقطرى في عمق المياه الإقليمية لليمين وأرخبيلها المكون من ست جزر، هي الأولوية الأولى للإمارات في اليمن، وهذا ما يفسر الحضور الإماراتي الكثيف في عاصمة الجنوب، بالقوة المباشرة أو عبر جيوش من الحلفاء ... أما سوقطرى فتقول الأنباء أن هادي قبل بتأجيرها للإمارات لمدة 99 عاماً، لأغراض يحار المراقبون ويختلفون، في سبر أغوارها والتعرف على كنهها.

السعودية تاريخياً، لم تمانع تاريخياً انفصال الجنوب عن الشمال، وهي رعت فكرة "الأقاليم الستة" التي نظر إليها يمنيون كثر، بوصفها مشروعاً تقسيمياً لبلادهم، بيد أنها وهي تأخذ على عاتقها قيادة التحالف العربي في حربها على اليمن، لا تريد لليمين أن يتشظى في عصر "عاصفة الحزم"، وهي تجهد في حفظ تماسكه الشكلي والهش قدر استطاعتها... ثم، أنه ومن منظور أمن المملكة وحربها المفتوحة على إيران، فإن الشمال، صنعاء وصعدة، أكثر أهمية من الجنوب، عدن وسوقطرى ... هذا الخلاف في الأولويات والمصالح، انعكس على بنية وتكوين الجماعات المؤيدة للبلدين من يمنيي "الشرعية" المستظلين بقبعة هادي.

الخلاف السعودي – الإماراتي، وفر لقوى أخرى، يصعب النظر إليها كدمى تُحركها الدولتين المتحالفتين، لتوظيف هذا الخلاف والتباين لتحقيق أجندات خاصة بها ... الانفصاليون الجنوبيون، ومن الظلم اتهامهم جميعاً بالتبعية لـ "أبو ظبي" وجدوا ضالتهم لتحقيق مآربهم الاستقلالية، وهم بدأوا العمل على الانفصال والتبشير بعودة دولة الجنوب، قبل الحرب اليمنية، ورأوا في الإمارات حليفاً متحمساً لهم، مثلما وجدوا في ضعف هادي وهزال حكومة بن دغر، سانحة للانقضاض على "الشرعية"، أو لتنفيذ "الانقلاب الثاني على الشرعية" كما يقول أنصار هادي، بعد "الانقلاب الأول" في صنعاء بقيادة الحوثي – صالح.

فريق ثانٍ وجد في الخلاف بين دول التحالف ضالته لتجديد حضوره وتعظيم أوراقه، وأعني التجمع اليمني للإصلاح – إخوان اليمن – الذي بدا أقرب للرياض منه إلى أبو ظبي، ولم تنجح القمة الثلاثية التي جمعت وليي عهدي السعودية والإمارات مع قيادة التجمع في الرياض قبل عدة أشهر، في تبديل الصورة أو تغييرها، فالإمارات لا تخفي عدائها الشديد لجماعة الإخوان المسلمين حيثما تواجدوا، فيما السعودية التي أعلنت الحرب على الجماعة عموماً، لم تجد غضاضة في التحالف تكتيكياً معها في اليمن ضد غريمهما المشترك: الحوثي ومن ورائه إيران.

طبقات الحرب في اليمن، تعددت... إقليمياً تحول البلد إلى ساحة لـ"حرب الوكالة" بين السعودية وإيران، ومحلياً ثمة حرب محتدمة بين الحوثي وحلفائه وهادي وأنصاره... في الشمال، لم يبرأ الأخوة الأعداء من فصول المواجهة الدامية بين الحوثي وصالح، وفي الجنوب لم يشف رفاق الأمس، أعداء اليوم، من حربهم الطاحنة، التي بدأت في عدن، ولن تقف عندها، وسط أنباء عن حشود متقابلة واستعداد لجولات جديدة من حروب الأجندات المتصارعة وطنياً وإقليمياً.

وإلى جانب هذه المصفوفة من الحروب المتركبة، ثمة حرب مستعرة، تحت السطح، ضد القاعدة وامتدادات داعش، التي تناصب الجميع، شمالاً وجنوباً أشد مشاعر الكراهية والعداء، وتلعب الولايات المتحدة دوراً مباشراً في هذه الحرب، فضلاً عن كونها "المايسترو" في حرب اليمن والإقليم على الإرهاب، وهو إرهاب تجذر في بلاد اليمن، وتحديداً بعض المحافظات الجنوبية، زمن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وعرف كيف يوظفه في حروب الداخل والخارج، قبل أن تضيق عليه، هوامش حرية الحركة.

ولا يخفى على أحد، أن أهم حرب يخوضها اليمنيون بعيداً عن خطوط التماس السابق ذكرها وتحالفاتها واجنداتها، هي الحرب على المجاعة والمرض والكوليرا، وهي حرب تتهدد صحة وحياة 17 مليون يمني، ويموت بفعلها الأطفال على مدار الساعة... وهي ذاتها الحرب، التي يقال أنها ستحرك الديبلوماسية الدولية بحثاً عن حل سياسي طال انتظاره لهذه الحرب المنسية، إذ تقول المعلومات أن بريطانيا بدأت حركة مكثفة على هذا الصعيد، وبتفويض دولي لافت، وسط استجابة أطراف دولية وإقليمية عديدة، وأن استقالة إسماعيل ولد الشيخ من مهمته كموفد دولي خاص لليمين، ستفتح الباب أمام مبادرات جديدة وتفكير جديد لتفكيك ملفات اليمن الشائكة... كان الله في عون أي وسيط للسلام في هذا البلد المنكوب بحروبه وحروب الآخرين عليه، فالخارطة المعقدة أصلاً، تزداد تعقيداً، على وقع الانقسامات والحروب المتناسلة في اليمن الذي فارق السعادة منذ أمد بعيد، والأرجح أنه لن يستعيدها في المدى المنظور.

المصدر : جريدة الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب اليمنيين وحروب الآخرين عليهم حروب اليمنيين وحروب الآخرين عليهم



GMT 22:45 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

عن دلالات «واقعة أربيل» وتداعياتها

GMT 23:42 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

مخاوف مشروعة

GMT 00:49 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

5 إطلالات ساحرة لـ "جنيفر لوبيز" حملت توقيع زهير مراد

GMT 12:41 2019 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 03:30 2017 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

"شيرون بوغاتي" أقوى وأسرع وأغلى سيارة في العالم

GMT 23:23 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

إليسا تبعث برسالة نارية لحسن نصر الله

GMT 18:53 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

دزيري يؤكد أن الحظ خان فريقه أمام مولودية الجزائر

GMT 10:46 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

تحذيرات من أزمة مالية عالمية جديدة بحلول 2019

GMT 11:30 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض فيلم "Vitamin" على "MTV" مساء السبت

GMT 19:28 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تشيد بموهبة وفاء عامر في مسلسل "الطوفان"

GMT 01:29 2015 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

10 دروس تعلمها مرشحو البرلمان من "الجردل والكنكة"

GMT 20:10 2017 الأحد ,29 كانون الثاني / يناير

7 مشتركين يتأهلون للتصفيات المباشرة من "أرب ايدول"

GMT 08:11 2016 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

كيف تحمين طفلك من الابتزاز الالكتروني؟

GMT 13:54 2014 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

عبارات حماسية فعالة تحفزك لأداء تمارين اللياقة

GMT 18:01 2016 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قناة شنبو تعرض مسلسل "الأسطورة" كفيلم سينمائي حصريًا

GMT 14:13 2015 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

صراع إكوادوري على لاعب "النصر" أرماندو ويلا
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq