تمسكن تسلم

'تمسكن تسلم'

'تمسكن تسلم'

 العراق اليوم -

تمسكن تسلم

بقلم : خير الله خير الله

بغض النظر عما إذا كان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون تُرك ينتظر عن قصد أو غير قصد في قصر بعبدا الرئاسي، تبقى الحاجة إلى إدراك لبناني لواقع لا يمكن الهرب منه. يَفرُض هذا الواقع السعي إلى فهم أفضل لموازين القوى في المنطقة والعالم بعيدا عن الشعارات الطنانة التي يطلقها “حزب الله” الذي لم تجر صواريخه سوى الخراب والدمار، فيما عمل سلاحه غير الشرعي على ترسيخ الشرخ المذهبي بين اللبنانيين.

يحتاج لبنان هذه الأيّام إلى الحكمة من جهة والعقول القادرة على متابعة ما يدور في المنطقة والعالم من جهة أخرى وذلك بدل الانصراف إلى حسابات صغيرة ذات طابع شخصي لا يمكن أن تقدّم أو تؤخّر، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر ببلد صغير يعاني من السلاح غير الشرعي قبل أيّ شيء آخر.

ثمّة حاجة إلى التذكّر دائما أن لبنان حافظ على أراضيه في حرب 1967، لأنّه لم يدخل في تلك الحرب الخاسرة سلفا في حين خسر الأردن الضفّة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية بعدما دُفع الملك حسين دفعا إلى دخول الحرب في ظروف غير موآتية.

كان الملك حسين يدرك أنّه لم يعد لديه من خيار آخر غير المشاركة في حرب كان يعرف نتائجها مسبقا. ذهب الأردن ضحية المزايدات العربية وحملات التخوين التي كان يؤججها جمال عبدالناصر وحزب البعث الذي كان يحكم سوريا والذي جرّ مصر إلى حرب كانت في غنى عنها كشفت ضعف جيشها وقتذاك وهشاشة الفكر الذي كان يسيّر عبدالناصر.

حتّى لو أخطأت الإدارة الأميركية في حق أي مسؤول لبناني، لا مصلحة للبلد في الدخول في أي مواجهة معها. يكفي أن أميركا صاحبة أكبر اقتصاد في العالم. ويكفي أنّ في استطاعتها هزّ أي نظام مصرفي لا يعجبها. هل من مصلحة أيّ مصرف في لبنان استفزاز واشنطن بطريقة أو بأخرى في وقت هناك حاجة إلى أشخاص مثل تيلرسون يشغلون مواقع أساسية في إدارة دونالد ترامب.

جاء وزير الخارجية الأميركي إلى بيروت والتقى الرؤساء الثلاثة وذلك من أجل مساعدة لبنان في تجاوز المرحلة الصعبة والمعقدة التي تمرّ فيها المنطقة. أكثر من ذلك، جاء ليقول إن الإدارة الأميركية تسعى إلى التهدئة وإلى تفادي أي تصعيد كان بسبب الوجود الإيراني في سوريا والخلافات التي تثيرها إسرائيل في شأن حقول الغاز المكتشفة في البحر قبالة الجنوب اللبناني.

جاء تيلرسون ليقول أيضا إنّ لبنان في غنى عن سلاح “حزب الله” وإنّ التركيز يجب أن يكون على المؤسسة العسكرية الوطنية التي تستطيع حماية البلد بفضل التعقل أوّلا وأخيرا بعيدا عن العنتريات المضحكة المبكية.

من مصلحة لبنان لملمة أوضاعه والتيقن من حجمه الحقيقي والامتناع عن لعب أدوار أكبر منه في ظلّ رغبة أميركية في مساعدته خصوصا أن الولايات المتحدة على علم تام بالعبء الذي يتحمّله في ظلّ وجود ما يزيد على مليون لاجئ سوري في أراضيه. وهذا ما أشار إليه بكلّ وضوح وزير الخارجية الأميركي في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.

لا يستطيع لبنان أن يكون فاعلا من دون علاقة جيدة مع الولايات المتحدة وذلك على الرغم من كل الانتقادات التي يمكن توجيهها لإدارة ترامب، خصوصا بعد القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل من دون الإشارة إلى حق الفلسطينيين في دولة مستقلّة تكون عاصمتها القدس الشرقية، وهي أرض محتلة في العام 1967.

تبقى هذه الانتقادات شيئا والعمل من أجل تفادي المزيد من الأذى الأميركي شيئا آخر. ماذا إذا توقفت أميركا عن دعم الجيش اللبناني مثلا؟ ماذا إذا فرضت عقوبات على مصارف لبنانية؟

لا توجد أيّ مصلحة لبنانية في إثارة أي مشكلة من أيّ نوع مع أميركا، حتّى لو كانت هذه المشكلة ذات طابع بروتوكولي من نوع جعل ريكس تيلرسون ينتظر وحيدا في إحدى صالونات القصر الجمهوري في انتظار وصول وزير الخارجية جبران باسيل ثمّ الرئيس ميشال عون.

ليست الولايات المتحدة دولة عادية. إنّها، شئنا أم أبينا، القوّة العظمى الوحيدة في العالم. لا ضرر من التعاطي معها بلباقة ولا ضرر من أن يعرف الذي يتعاطى معها حجمه بعيدا عن البطولات الوهمية.

كان العراق، الذي تبلغ مساحته 437 ألف كيلومتر مربّع تقريبا فيما مساحة لبنان 10452 كيلومترا مربّعا يعتبر نفسه في عهد صدّام حسين قوّة إقليمية. صمد العراق في وجه إيران في حرب استمرّت ثماني سنوات.

حقّق شبه انتصار عليها واعتقد في العام 1990 أنّه قادر على مدّ يده على الكويت فانتهى به الأمر تحت عقوبات أميركية جعلته غير قادر على تصدير نفطه. جعلت هذه العقوبات قسما كبيرا من الشعب العراقي تحت خطّ الفقر.

ارتأت دول عدّة تمكين العراق من بيع النفط بغية شراء مواد غذائية توزّع على المواطنين وذلك بموجب قرار لمجلس الأمن عنوانه “النفط من أجل الغذاء”. قبل صدور القرار في العام 1995، التقى بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة وقتذاك وزير الخارجية العراقي طارق عزيز بحضور برزان التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدّام الذي كان يشغل منصب سفير العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف.

حاول غالي في اللقاء المنعقد في جنيف أن يقنع طارق عزيز بأهمّية صدور قرار “النفط من أجل الغذاء” وفائدته، لكن وزير الخارجية العراقي، حسب ما يقول برزان التكريتي، انتفض من منطلق أن “في ذلك إساءة إلى كرامة العراق والعراقيين”. فما كان من بطرس غالي إلّا أن ذكّر طارق عزيز بأن هناك منطقتي حظر جوي في العراق وأنّه لا يستطيع استيراد قلم رصاص من دون إذن من لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة. وختم حديثه بالقول “يا طارق، تمسكن تسلم”.

الأكيد أنّ على لبنان الذي تبلغ مساحته أقلّ من مساحة محافظة عراقية صغيرة استيعاب ماذا تعني عبارة “تمسكن تسلم”. ليس مطلوبا منه القبول بأيّ مس بكرامته، لكنّه مطلوب منه تفادي أيّ استفزاز للإدارة الأميركية وشخص مثل ريكس تيلرسون يحاول إصلاح ما ارتكبه دونالد ترامب من أخطاء… مع تشديده في الوقت نفسه على أنّ لا تراجع عن التصدي للمشروع التوسّعي الإيراني.

هل يأخذ لبنان عبرة من العراق في عهد صدّام حسين، أي من العراق الذي لم يعرف كيف يكون التعامل مع الولايات المتحدة وما هو إحجام الدول في هذا العالم وأدوارها.

مرّة أخرى ليس مقبولا من أي مسؤول لبناني الإقدام على ما يمكن أن يمسّ كرامة البلد، لكنّ هذا لا يعني أنّ البلد يتحمّل أيّ استفزاز لمسؤول أميركي جاء يستكشف كيف يساعد لبنان ويبعده عن أي تهوّر من أي نوع. بكلام أوضح، عندما يسرح زعماء الميليشيات المذهبية التابعة لإيران ويمرحون في جنوب لبنان، على الرغم من وجود القرار 1701، من الأفضل تفادي البحث في تصفية الحسابات مع هذا المسؤول الأميركي، بطريقة أو بأخرى، عبر جعله ينتظر وحيدا في إحدى صالونات قصر بعبدا مثلا.

المصدر : جريدة العرب 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمسكن تسلم تمسكن تسلم



GMT 20:24 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

حزب الله والارتياب والتدويل

GMT 22:45 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

عن دلالات «واقعة أربيل» وتداعياتها

GMT 22:43 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

المنسي في وادي الملوك

GMT 10:32 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

تكاملُ اللامركزيّةِ والتدويل في لبنان

GMT 07:49 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ريتا أورا تحتفل بألبومها الثاني الذي ينتظره الجميع

GMT 15:03 2020 الإثنين ,18 أيار / مايو

فساتين خطوبة مطرزة لإطلالة إستثنائية فخمة

GMT 04:09 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يعثرون على أصغر كوكب خارج المجموعة الشمسية

GMT 00:55 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فؤاد قرفي يكشف عن مجموعته الجديدة من الأزياء

GMT 00:26 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

أجمل معاطف كيت ميدلتون موضة 2021 لمناسبة عيد ميلادها

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

البنك المركزي يصدر تعميم جديد يحدد سعر الصرف

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

تعرف على أسعار سيارات نيسان "بيك أب" بعد زيادة يونيو

GMT 08:09 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 08:53 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

"سيلفرمين" في السويد يعد من أغرب فنادق العالم

GMT 00:36 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

سارة سيد تكشف عن مميزات السياحة في ألمانيا

GMT 18:21 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

أحمد فهمي يتقدم بطلب الزواج من الفنانة رانيا يوسف

GMT 15:43 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

قوات الشرطة تحبط محاولة تفجير في مدينة العريش الثلاثاء

GMT 12:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لعبة MOBA الجديدة Mobile Legends متوفرة الآن على الهواتف الذكية

GMT 02:49 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر ضمن أفضل 10 دول في حجم القوات البحرية
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq