رواية بعد رحيل الصمت تقنية ثقافة الحظر

رواية "بعد رحيل الصمت" تقنية ثقافة الحظر

رواية "بعد رحيل الصمت" تقنية ثقافة الحظر

 العراق اليوم -

رواية بعد رحيل الصمت تقنية ثقافة الحظر

بقلم - حامد عبدالحسين حميدي

إن جدلية الصمت في الروايات المعاصرة باتت تشكّل هاجسًا لأكثر الروائيين، لأنها تمثل المتنفس الذي من خلاله يستطيعون سبر اغوار الذات المتأزمة، الذات التي لا تهدأ إلا على مطبّات الحياة، وهي تحاول أن تنتشل ما حولها في باكورة احتجاجاتها. هذا التصاعد في تفعيل تلك المفردة ومحاولة شدها إلى اصولها الخطابية وبكل غاياتها. لتتحول إلى مدلولات ذات انطباعات غائية، تحمل في مضامينها سبب لجوء الروائي " عبدالرضا صالح محمد " إلى اعتماد عنونة روايته " بعد رحيل الصمت " الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت الطبعة الأولى 2013.

مدخلًا تتضح من خلاله تقنية ثقافة الحظر عما يجول في دواخلنا ومصادرة كل ما لدينا قسرًا وقمعًا واضطهادًا، انها آلة اعتدنا أن نراها في زمن لا يعرف إلا صخب الاعتقالات والمداهمات والإشارة للآخر أنه المتهم أولًا وأخيرًا، وعلى قدر بشاعة الاحداث المتأزمة تدخل رواية " عبدالرضا صالح محمد " مدخلًا كبيرًا في الكشف عما يخبئه المجتمع العراقي من حمولات سرية، تلك الحمولات التي انطلقت على وفق مسارات متناقضة أحيانا إلى رصد كل ما يدور حولنا من السلوكيات التي يعانيها الفرد خاصة والمجتمع عامة، مما جعلنا. اما أن نتقبل الأوضاع المتأزمة بكل عناوينها أو نغادر هذا العالم المملوء صخبًا وضجيجًا محاولين اقتناص الفرصة المناسبة للانطلاق نحو فضاءات واسعة، لكن هناك من رسم على وجهه ملامح الصمت لفقدان الأشياء التي يدور هو في فلكها وراح يؤقلم نفسه على هذا الفقدان " تستحوذ على قسمات وجهه هالة من الحزن لفقده كل شيء في لحظة واحدة، الأهل والمال والوطن، كما لو فقدهم إلى الأبد " ص 110.

إنه أشبه بالانسلاخ من الملكية التي نعتز بها، لكنها ملكية ثقافة "التجريد" من كل شيء على وفق معطيات مدروسة من قبل الأنظمة الحاكمة السلطوية التي لجأت إلى الأساليب القمعية التي من شأنها بث المخاوف والرعب والتعذيب وجعل "الإنسان" يعيش في دوامة القلق والأزمات النفسية التي تحبط من معنوياته، لتكور ثقافة "الاستفهام" مدلولًا مبهمًا يغصّ بطرح الاشتغالات السؤالاتية التي من شأنها تدوير مرافئ الحظر، الصمت. لا نعلم جليًا عما يدور في عالم مستقبله الاجتماعي والسياسي والاقتصادي يدخل في نفق " المجهولية " يوميات محظورة، لا نور فيها سوى بصيص خافت يمرّ من ثقب ابرة، عله يفجّر ما حوله معلنًا أن الصمت، لغة الافصاح، وسلاح فتّاك، نستطيع من خلاله تسويق كلما يدور في خواطرنا، لأنه يشكل بنية ذات مغزى متفرّد في تكوينية الإنسان.

"صاح بالناس بصوت عالٍ: "إخوان كفوا عن الضرب فأنهم سيقتلونكم معنا. تفرقوا. واهربوا، دماؤنا في رقابكم أن بقيتم". فرّ كثير منهم، لكن القوات أعادتهم بتوجيه فوهات البنادق الرشاشة نحوهم." ص 152

 نلاحظ أن الروائي قد مال إلى مزج اللهجة العامية مع اللغة الفصيحة بأسلوب سلسل غير معقد، محاولًا بسط تنويع لغوي متعدد، ينسجم مع السردية المسكون بها النص، والذي يحمل عبئًا اجتماعيا ً وسياسيًا، حيث نجد انفسنا تحت وطأة النظم والتقاليد العشائرية الصارمة بعاداتها التي حملت نوعًا من الجفاء والتسلط اللذين كان لهما الاثر الكبير في الوقوع في هفوات حياتية متداخلة مع الطاغوتية التي مثلت الحكم السياسي الاستبدادي في ملاحقة ابناء الشعب، وزجّهم في السجون والمعتقلات ومصادرة حرية الكلمة التي اصبحت لا تتعدى حدود الفم المغلق بأصفاد الاضطهاد والتشريد، أنه زمن مصادرة، وتغيير سلوكيات الفرد بالقوة حسبما يشتهيه المستبد.

"راح الرجال يحثون السير بالقوارب بين أحراش القصب والبردي لساعتين، كان الجو هادئا لا يسمع فيه غير نعيق الضفادع وحفيف القصب من جراء الهواء المنساب بخفة. " ص 218

الروائي يحاول أن يعطي للوصف دلالة مميزة، أنه يمسك بكامرته يلتقط ما تقع تحت عينيه من مشاهدات يومية واقعية، يشجع القارئ من خلالها على متابعة احداثه بتشويق ممنهج، يسوقه عبر تحريكاته الزمانية المتسلسلة غير المبعثرة، انها روايته التي استطاع من خلالها أن يطلق أصواتًا، رسائل تخنقها امتدادات بوح متعرج، يسير على وفق خطوط متماهية مع الواقع.

وبذلك وفق الروائي "عبدالرضا صالح محمد" في كسر قيود الصمت الذي حول حياتنا إلى محطات ساكنة، فارغة من متعتها حتى غلب عليها الجمود الذاتي، المبرمج على وفق تقنيات ضاغطة، فاعلة لها تأثيراتها الآنية التي اعتدنا أن نعيشها جميعًا، فكانت أشبه بمخالب تنهش أجسادنا التي مزقتها يد الدياجير المظلمة.

 

iraqtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواية بعد رحيل الصمت تقنية ثقافة الحظر رواية بعد رحيل الصمت تقنية ثقافة الحظر



GMT 21:09 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 17:33 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

تتحدى من يشكك فيك وتذهب بعيداً في إنجازاتك

GMT 13:45 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

أبرز صيحات موضة بدلات ملونة بستايل عصري وجديد

GMT 13:25 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

مجموعة من مجوهرات عروس فخمة من وحي أهم النجمات

GMT 01:30 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مايكروسوفت تجعل متصفح Edge أسرع وأكثر عملية

GMT 13:00 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

طريقة إعداد حلوى "تشيز كيك اللوتس" الشهية

GMT 19:38 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

واتساب تعلن عن خاصية مشاركة المكان بشكل مباشر

GMT 22:26 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

الشباب يواصل تدريباته على ملعب الأمير خالد بن سلطان

GMT 19:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير أممي من تعرض اليمن لأكبر مجاعة يشهدها العالم

GMT 01:22 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

صيحات مميّزة للحقائب باللون الأبيض لصيف 2018
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq