قصائد القسوة كما تكتبها المغربية رجاء الطالبي
آخر تحديث GMT05:21:44
 العراق اليوم -

قصائد القسوة كما تكتبها المغربية رجاء الطالبي

 العراق اليوم -

 العراق اليوم - قصائد القسوة كما تكتبها المغربية رجاء الطالبي

الرباط - وكالات

ما بين التأملات الوجودية في الحياة (العيش) والكون، وبين رسم هذه التأملات على نحو شديد الكثافة والاختزال، تنحو تجربة الشاعرة المغربية رجاء الطالبي في اتجاه بناء عمل شعري يكتسب خصوصيته من عناصر عدة، أبرزها محاولة إبراز أوجه الحياة المختلفة حد التناقض المرعب، من جهة، ورسم العلاقات الصراعية بين هذه الأوجه، من جهة مقابلة. هذا ما تحيل إليه تجربتها في مجموعتها الجديدة «عزلة السناجب» الصادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع (عمّان). إنها المجموعة الشعرية الثالثة للشاعرة بعد «برد خفيف» و «حياة أخرى»، سبقتها «شموس الهاوية» (نصوص)، و «عين هاجر» (نصوص قصصية). وفيها تبدو اللغة قد تكثفت حد الشفافية المشغولة بقدر من الروحانية، حتى في تناولها للجسد وشؤونه الداخلية السامية. وتتمركز تجربة الطالبي، في صورة أساسية، حول «نورانية» الجسد والأشياء، في مواجهة «ظلامية» العالم من حولها، بالمعنى السوداوي للكلمة، فتبرز الألوان عنصراً فاعلاً في النص، لجهة المقابلة الصراعية بين الأبيض والأسود، والأزرق والرمادي، فتبدو قصيدتها القصيرة لوحة من كائنات وألوان وأحاسيس ومشاعر ملونة متصارعة. «النص الومضة» العزلة، كما يُبرز عنوان المجموعة، ثيمة أولى في المجموعة التي تضم تسعة وسبعين نصاً متفاوتة الطول، وإن مالت غالبيتها إلى السطور القليلة جداً، من سطر واحد أحياناً، ومن خمسة حتى عشرة سطور غالباً، لا تتجاوزها إلا نادراً. فهو «النص الومضة»، التي تومئ ولا تقول، وقد توحي بعالم ما، لكنها لا تستطرد في تعريفه. وعزلة السناجب تعبير عن ارتباط هذا الكائن ببيئة وطبيعة محدّدتين، «موطن السناجب عزلتي/كلما الصمت دعاني/ انبجست الغابة»، تقول. لكن عزلة الشاعرة لا تذهب إلى هذه الحدود التي تعني الانطواء، بل على العكس، فهي تخلق لحظات واسعة من الفرح والمحبة، حتى أنها «في الظِّلال المعتمة لجذوع الغابة»، تسري «بلا أجنحة». بل تستطيع أن ترى ما وراء الرماديّ، ترى «سماءٌ رمادية/ زخاتُ مطرٍ خفيف/ قشعريرةٌ عابرة». وحتى حين تخاطب ذاتها «تجلسين ساكنةً/ تحدِّقين إلى الوجود»، فإن ذلك يكون في سياق من الحياة، حيث «وحدَها الموسيقى/ تبعثُ الحياة في اللَّوحة». إنها إعادة صَوغ للحياة، عبر إعادة ترتيب عناصرها المحيطة، عناصر الذات وعناصر الكون هنا يجري «تفكيكها» وإعادة تركيبها على نحو تبدو فيه المرأة/ الأنثى خالقة لحياتها، لخطواتها، بل لقدرتها على التحليق. وتبدو فاعلية الجسد وحضوره أشد وضوحاً في لحظة غيابه «كلَّما ابتعدتُ عنه جسدي/ اكتسحني الظَّلام/ كلّ اقترابٍ منه/ كلّ عناية/ بمثابة شمسٍ صغيرة تبزُغ». وما يبدو وكأنه حالة من العزلة والسوداوية تسكن المجموعة، هو في الحقيقة تلك التأملات المعمّقة التي تشفّ عن رغبة في مقارعة العزلة والسوداوية معاً، فالشاعرة (أو بطلة النص الشعري هنا) تعرض عزلة الكائن بوصفها الوجه الآخر لانطلاقه، مثلما تعرض الموت بمثابته الوجه المقابل للحياة، إن لم يكن ابن هذه الحياة وقرينها الذي لا تكون من دونه. هي لعبة المتضادات والمفارقات التي تجيدها اللغة واستعاراتها وصوَرها التي تنهل من مصادر عدة، أهمها التجربة المعيوشة، حسّيّاً ومعنوياً. نتأمل في التناقضات التي تسكن كائنات النصوص عموماً، والمرأة خصوصاً، فنجد هذه الصور المبتكرة، نجد كيف يجتمع الحزن مع الرقة، فثمة «نساءٌ حزينات/ كباذِنجاناتٍ سوداء/ لكنّ لرّقةَ/ ملاكٌ عذبٌ/ ينيرُ كياناتِهن المحترقة». الرقة والعذوبة تواجهان الحزن والسواد في الكيانات المحترقة. هذه هي أدوات الدفاع ضد الموت، ضد الاستسلام. وفي لحظة تصعيدٍ تالية، قد تلجأ اللغة إلى فعل اقتحامي عنيف، ففي مواجهة الليل لا بد من عنف، عنف يخلق الفرح، ويكاد يقار الفعل الجنسي القائم على الاختراق كما يبدو هنا «كلَّما شقَّ البياض/ سوادَ اللَّيل/ اهتز سريرُ الغبطة». الصمت ثيمة ثانية في المجموعة، لكنه لا يتخذ صورة واحدة، فثمة صمت هو حالة تجسد الكينونة العميقة والممتلئة، كما في قولها «نكونُ أكثرَ في الصَّمت»، أو «حيث يذهبُ بي صمتي أعرفُ أنني لن أعودَ خائبة». وثمة صمت قد يحيل على المَوات، وهو ما تواجهه بالصخب الذي سيجسد الحيوية والحركة «لطبيعتكِ الصامتة/ أنصحُني بأمواجِ البحرِ الصاخبة». وفي المجموعة رغبة عارمة في الخلق والنحت والتصوير، لتكون التجربة متفردة، فالشاعرة تخاطب «الأنا» فيها «انحَتِيه وجودكِ الشِّعري»، وتعود في لحظة تالية لتؤكد «اكتبيهِ لتكتَشِفي أنَّ لغتَكِ لا تشبه أحدا»، ثم نجد الحرص على تفجير «اللغة المتحجرة» بحسب وصفها. ومن مناخات «العزلة» نص شبه سردي، بعنوان فرعي هو «انفراج في سماء رمادية»، تقدم فيه الشاعرة تأملات في صورة حكايات قصيرة، وبتقنية تقارب التقطيع السينمائي، لكنها تحتفظ بلغتها وعلاماتها النابعة من عالمها، كما في هذه الصورة الكابوسية «كأنني أتمشى على ضفاف بحرٍ، صخورٌ سوداء ناتئة تزحف فوقها مسوخٌ طحلبيةُ البشراتِ كريهةٌ». كما تختلط عوالم الواقع بالمتخيل من الموروث في تاريخها وارتباطها «الأندلسي» إن جاز التعبير، حيث «حدائقُ أندلسيةٌ تندلعُ في الدماء»، وحيث الموشح «إذا كان حبّك سيدي»، وسواهما.  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصائد القسوة كما تكتبها المغربية رجاء الطالبي قصائد القسوة كما تكتبها المغربية رجاء الطالبي



GMT 00:49 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

5 إطلالات ساحرة لـ "جنيفر لوبيز" حملت توقيع زهير مراد

GMT 12:41 2019 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 03:30 2017 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

"شيرون بوغاتي" أقوى وأسرع وأغلى سيارة في العالم

GMT 23:23 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

إليسا تبعث برسالة نارية لحسن نصر الله

GMT 18:53 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

دزيري يؤكد أن الحظ خان فريقه أمام مولودية الجزائر

GMT 10:46 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

تحذيرات من أزمة مالية عالمية جديدة بحلول 2019

GMT 11:30 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض فيلم "Vitamin" على "MTV" مساء السبت

GMT 19:28 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تشيد بموهبة وفاء عامر في مسلسل "الطوفان"

GMT 01:29 2015 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

10 دروس تعلمها مرشحو البرلمان من "الجردل والكنكة"
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq