بريطانيا فن إدارة الخلاف وقداسة الدساتير

بريطانيا: فن إدارة الخلاف وقداسة الدساتير!

بريطانيا: فن إدارة الخلاف وقداسة الدساتير!

 العراق اليوم -

بريطانيا فن إدارة الخلاف وقداسة الدساتير

بقلم - عماد الدين أديب

الجدل الدائر على مستوى القمة، والمؤسسات العليا، والرأى العام، والإعلام فى أوروبا بين دول الاتحاد الأوروبى وبريطانيا، أمر بالغ الأهمية فى مغزاه، وأسلوب إدارته ونتائجه.

منذ يناير 2016، وبعدما أعلن الشعب البريطانى عبر استفتاء حر أنه يريد التخلى عن عضويته فى الاتحاد الأوروبى وتركه لأنه -أى الاتحاد- يضر «بمصالح وسيادة بريطانيا»، وأن بريطانيا بدون اتحاد أوروبى هى دولة أفضل وشعب أكثر رفاهية.

هكذا قام أنصار الانفصال عن الاتحاد الأوروبى فى بريطانيا بالتسويق السياسى لمشروع الانفصال.

هنا، ومع مرور الوقت، تبينت لدى الرأى العام عدة أمور كاشفة، كلها خلقت حالة من الصراع والاضطراب والتباين فى الرؤى والمصالح.

الرأى الأول الكاشف المؤيد للانفصال يعتمد على الآتى:

1 - أن بريطانيا كانت تتحمل أسبوعياً ما بين 250 مليون جنيه إسترلينى إلى 350 مليون جنيه، تذهب إلى خزينة الاتحاد الأوروبى.

2 - أن بريطانيا هى من كبار الممولين للاتحاد، حيث إنها تتحمل سنوياً تقريباً 12٪ من إجمالى موازنة الاتحاد.

3 - أن الخزانة البريطانية تتحمل ما بين 10 و 12 مليار جنيه إسترلينى، أى ما بين 13 ملياراً و16 مليار دولار أمريكى بسعر تحويل اليوم (الجنيه الإسترلينى يساوى 1٫33 دولار)، ويأتى فى وقت يقف فيه المواطن البريطانى فى قائمة انتظار طويلة للحصول على العلاج والتأمين الصحى، بسبب نقص الموارد.

4 - أن بريطانيا تعانى من المهاجرين الأوروبيين الشركاء فى الاتحاد الأوروبى الذين يحق لهم الإقامة والتملك والعمل فى بريطانيا، مما يهدد الاقتصاد البريطانى ويضغط عليه فى مجالات التضخم والبطالة وسوء الخدمات.

بالمقابل تأتى معلومات كاشفة ظهرت بقوة عقب نتائج الاستفتاء على علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبى تؤكد الآتى:

1 - فقدان العملة البريطانية فى بعض المراحل لأكثر من 25٪ من قيمتها، مقابل العملات الأخرى.

2 - هبوط حاد فى نوعيات معينة من العقارات، وهى مركز ثروة رئيسى لكثير من الطبقات والمستثمرين فى بريطانيا.

3 - فقدان كل مواطن بريطانى ما قيمة 404 جنيهات إسترلينية كل عام من دخله، نتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبى.

4 - هبوط الناتج القومى البريطانى بنسبة تتراوح من 1٫8٪ إلى 2٪ نتيجة قرار الانفصال عن الاتحاد.

5 - قيام مئات الشركات الكبرى والمتوسطة التى تتخذ من بريطانيا مركزاً استثمارياً أو مركزاً إقليمياً لإدارة أعمالها فى أوروبا بإغلاق مقراتها وتصفية أعمالها، والبحث عن عواصم أخرى.

فرنسا وألمانيا أكثر المتضررين من الخروج البريطانى من عضوية الاتحاد الأوروبى، وبدأتا تستشعران الخطر الحقيقى منذ مارس من العام الماضى، حينما قامت حكومة السيدة «تريزا ماى» بالإخطار الرسمى بحقها فى استخدام المادة 50 الشهيرة من تأسيس ونظام الاتحاد الأوروبى، التى تنظم خروج أى من الأعضاء من الاتحاد.

باريس وبرلين سوف تتحملان العبء المالى والاقتصادى والسياسى للخروج البريطانى.

وأصبحت احتمالات التراجع عن تنفيذ رغبة الشعب البريطانى فى الانسحاب من الاتحاد أو الالتفاف حولها بأى صيغة أخرى هى عملية فاشلة وشبه مستحيلة، رغم أن الرئيس ماكرون وصف «بريكست» بأنها حق أصيل لإرادة شعب تم الكذب عليه.

وحتى «تريزا ماى» التى تؤمن شخصياً بضرورة البقاء فى الاتحاد الأوروبى، تعمل ليل نهار على «احترام رغبة الشعب البريطانى كما جاءت فى الاستفتاء».

وفى خطاب بليغ للغاية، كتب بعناية فائقة، قالت تريزا ماى أمس الأول بعد قمة سولزبورج فى النمسا، تعقيباً على خلافها مع زعماء الاتحاد الأوروبى «نحن نريد التوصل لتسوية منصفة للخروج من الاتحاد الأوروبى، لكن يجب أن يعرف الجميع أننى أرفض أن أتحايل أو أتجاهل رغبة شعب بلادى كما جاءت فى الاستفتاء، وأعتقد بقوة أنه لا يوجد أى زعيم بريطانى يمكن له أن يفعل ذلك».

وأضافت السيدة ماى أن أى خروج على رغبة الشعب البريطانى كما جاءت فى الاستفتاء هى دعوة إلى انقسام وتمزق هذا الشعب، وهو أمر لا أقبل به، بل سوف أقاومه بكل ما أوتيت».

هنا يتوقف المحلل السياسى عند 3 علامات ودروس فارقة فى هذا الملف:

1 - تعلم كيف تدير الدول المتحضرة خلافاتها الشديدة وصراع المصالح من خلال «فن التفاوض» وعلوم السياسة والدبلوماسية.

2 - أن تتعلم احترام رئيسة وزراء بريطانيا التى كانت من كبار المؤيدين داخل حزبها للبقاء فى الاتحاد الأوروبى لإرادة شعبها.

3 - قداسة الاستفتاءات لدى الحضارة الأنجلوساكسونية، التى ترى أن الاستفتاء الحر هو أعلى درجة للتعبير الديمقراطى عن إرادة المواطنين.

من أهم دروس السياسة هو كيف تدير أمورك، ليس فقط فى حالات الاتفاق، ولكن أيضاً فى حالات الاختلاف.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا فن إدارة الخلاف وقداسة الدساتير بريطانيا فن إدارة الخلاف وقداسة الدساتير



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 06:59 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

"الدانتيل" لديكور مذهل في حفل زفافك

GMT 00:21 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

مروان حامد مخرج أول أفلام سلسلة "رجل المستحيل"

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

كم يوم عمل تحتاجه لشراء هاتف أيفون X ؟

GMT 22:44 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العكايشي يقود الاتحاد إلى التعادل في مباراة الفيصلي

GMT 17:22 2013 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

مقتل وإصابة 30 شخصًا في انفجار عبوة ناسفة بمحافظة ديالي

GMT 22:18 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مشاركة عربية قياسية في نهائيات أمم أفريقيا 2019

GMT 07:10 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

نقوش الحيوانات أحدث إطلالة لمواكبة موضة خريف 2018

GMT 16:29 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

كريم هنداوي أفضل لاعب في بطولة كأس تركيا لليد

GMT 00:42 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الاثنين

GMT 02:19 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

أفغان يعلنون دفن ضحايا ضربة جوية نفذّتها الحكومة

GMT 08:34 2018 الخميس ,29 آذار/ مارس

مرسيدس C43 AMG 4Matic عائلية من الدرجة الأولى

GMT 09:55 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

كليب وقفة ناصية زمان لأحمد مكي يتصدر قائمة top tracks مصر

GMT 20:56 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

هيدي بفستان مثير في العيد الـ20 لمدينة الإنتاج الإعلامي

GMT 21:29 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

هيونداي تخطط لإطلاق سيارتها ذاتية القيادة بحلول 2021
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq