فَصلٌ من الحروبِ القيْسيّةِ اليمنيّة

فَصلٌ من الحروبِ القيْسيّةِ اليمنيّة

فَصلٌ من الحروبِ القيْسيّةِ اليمنيّة

 العراق اليوم -

فَصلٌ من الحروبِ القيْسيّةِ اليمنيّة

سجعان القزي
سجعان القزي

كان جبلُ لبنان، بحكمِه الذاتيّ، نُقطةَ ضعفِ السلطنةِ العُثمانيّةِ فصار نُقطةَ ضعفِ الجُمهوريّةِ اللبنانيّةِ بخصوصيّتِه الدُرزيّة في الشوف وإقليمِ الغرب، وظلَّ دائمًا نُقطةَ قوّةِ لبنان التاريخيّة. لطالما عاش «جبلُ لبنان» الكبير مستقلًّا بدونِ «لبنانَ الكبير»، لكنَّ أجزاءَ لبنانَ الأخرى لم تُصبح مستقلّةً إلا بعدما عانَقت الجبلَ المترامي من بشرّي إلى جزين وزحلة. لذلك، إنَّ صيغةَ لبنان الكبير المسيحيّةَ/الإسلاميّةَ لا يجوز أن تكونَ على حسابِ الصيغةِ الدرزيّةِ/المسيحيّةِ التي كانت قائمةً في الجبلِ الكبير. وحُكمُ الجُمهوريّةِ اللبنانيّةِ يَمرُّ بتثبيتِ وِحدةِ الجبلِ لا على أنقاضِها. الجبلُ استراتيجيّتُنا الدفاعيّةُ الأُولى والأخيرة.

وِحدةُ الجبلِ الجنوبيّ حِرْفةٌ جبليّةٌ لا يُتقِنُها إلّا أبناؤه. هي تكوينٌ ذاتيٌّ كما كان الجبلُ حُكمًا ذاتيًّا. وبقدْرِ ما يَلتزمُ زعماءُ الدروزِ الموقِفَ اللبنانيَّ الاستقلاليَّ، يُحِبُّهم المسيحيّون ويَتوَّحدُ الجبلُ الجنوبيُ ويَتعزّزُ دورُه في الجمهوريّة. وبقدْرِ ما يَجنَحُ زعماءُ دروزٌ عن هذا النهج، يَهجُرهم مسيحيّو الجبلِ. أوّلُ زعيمٍ لبنانيٍّ مدنيٍّ احتَضنَه موارنةُ لبنان بعد بَطارِكتِهم ومَشَوا وراءَه لم يكن مسيحيًّا، بل دُرزيًّا: الأميرُ فخرالدين المعنّيُ الثاني.

واجِبُ كلِّ سياسيٍّ أن يَعرِفَ تاريخَ لبنان لا تاريخَه هو في لبنان. من يَعرِفُ التاريخَ لا يُخطِئ مع الجبل. ومَن لا يَعرِفُه ـــ حتّى لو كان دُرزيًّا ـــ يَقع في «قبرشمون» و«البساتين». الخطأُ في الجبلِ دمويٌّ دائمًا. كلُّ حوادثِ الجبل جناياتٌ ومجازر. عيبٌ أن تَرتكبَ جُنحةً. تَفقِدُ احترامَ المحيط. الجبلُ سلامٌ كاملٌ أو حرب ٌكاملة. كلُّ منتصِرٍ في الجبلِ، أكان دُرزيًّا أم مسيحيًّا، خاسرٌ لاحقًا. وحدَها المصالحةُ الميثاقيةُ هي الانتصار. والمصالحة لا تَعني فقط أنْ يَعيشَ المسيحيُّ بأمنٍ في الجبل، بل أن يُشاركَ في إدارةِ الجبلِ وتقريرِ مصيرِه وفي اختيارِ ممثلّيه. الانتصارُ الوحيدُ الذي يَتحمّله الجبلُ هو الانتصارُ المشترَكُ على العثمانيّين. والعثمانيّون اليومَ ليسوا أتراكًا؛ هم دولٌ وجماعاتٌ تَـمُسُّ بخصوصيّةِ الجبلِ وسيادةِ لبنان واستقلالِه.

نحن المسيحيّين دَخلنا متأخِّرين على خطِّ الدمِ في الجبل الجنوبيِّ. أَمضينا تاريخَنا عنصرَ أُلفةٍ بين الدروز. لم تَتحوّلْ حوادثُ الجبلِ دُرزيّةً/مسيحيّةً إلا في أواسطِ القرنِ التاسعِ عشر، ما أدّى لاحقًا إلى تفضيلِ صيغةِ «لبنانَ الكبير» بعد مَحطّتَي «القائمَقاميَّتَين» والمتصرفيّة؛ ثم في أواخر القرنِ الماضي، فعاد لبنانُ كأنّه قائمقاميّتَان. قبل ذلك، أي بين سنتَي 1021 و1840، كان الصراعُ في الجبلِ بين الدروزِ أنفسِهم وقد انقسَموا حزبَين متنافرَين: القيسيِّ واليمَنيّ. وغالبًا ما كان المسيحيّون سعاةَ خيرٍ بين الفريقين. وما حَدَث الأسبوعَ الماضي في الجبلِ يُعيدنا إلى تلك المرحلةِ البعيدةِ وليس إلى «حربِ الجبل» في سبعيناتِ وثمانيناتِ القرنِ الماضي. ما حدثَ هو محاولةُ إحداثِ فِتنةٍ دُرزيّةٍ/دُرزيّةٍ، لا درزيّةٍ/مسيحيّة، ولو ذهبَ طرفٌ مسيحيُّ ضحيّتَها السياسيّة.

يَتّضحُ يومًا بعد يومٍ وجودُ مُخطَّطٍ بعزلِ الفريقِ الدُرزيِّ الممانعِ ـــ حاليًّا ـــ الانضمامَ إلى محورِ «الممانَعةِ» من أجلِ السيطرةِ على دروزِ لبنان ومنعِ تأثيرِهم على دروزِ إدلب والجولان وجبلِ العرب وحوران في مرحلةِ تقريرِ مصيرِ النظامِ السوريِّ ومصيرِ الأقلّياتِ المشرِقيّة. لكنَّ الجَناحَ الاستقلاليَّ كَمَنَ لطلائعِ المخطّطِ وفكَّ عُزلتَه واستعادَ المبادرةَ. والمحزِنُ أنَّ الجَناحَ الدُرزيَّ الذي كان طَوالَ العقودِ الماضيةِ طليعَ الموقِفِ الاستقلاليِّ هو الآنَ رأسُ حَربةِ محورِ الممانَعة في المجتمعِ الدُرزيّ. لطالما استَخدمَ ولاةُ الشامِ وعكّا أعيانًا دروزًا ضِدَّ الأمراءِ المعنيّين والشِهابيّين وحتّى ضِدَّ الشيْخَين علي وبشير جنبلاط.

لذا، لا يَصلُح أنَّ يَتورَّطَ المسيحيّون في الصراعِ الدُرزيِّ الحاليّ إلا من زاويةِ التعاطفِ مع الخطِّ الدُرزيِّ الاستقلاليِّ، والتوفيقِ بين القوى الدُرزيّة المتنازِعَة، ودعمِ الجيشِ اللبنانيّ في عمليّةِ تطويقِ الأحداث، خصوصًا أنَّ خلفيّاتِ هذا الصراعِ إقليميّةٌ بامتياز، وقد تَتبعُه أحداثٌ على ساحاتٍ أخرى مع اقترابِ حسمِ المواقفِ من الاستحقاقاتِ الـمُقبلَة.

حيثيّاتُ أحداثِ الجبلِ الأخيرةِ هي نُسخةٌ عن حيثيّاتِ أحداثِ سنةِ 1975. فقبلَ وقوعِ حادثةِ البوسطة في «عين الرُّمانة»، كانت مكتوبةً وجاهزةً بياناتُ عزلِ حزبِ الكتائب اللبنانيّة، وبَياناتُ رفضِ تدخُّلِ الجيشِ اللبنانيّ، وبَياناتُ ربْطِ الأحداثِ بإسرائيل، وبَياناتُ وصفِ حادثِ البوسطة بكمين، وبياناتُ المطالبةِ بإحالةِ الحادثِ إلى المجلسِ العدليّ. لا عَجَب، فالأطرافُ الذين فجّروا الوضعَ سنةَ 1975 بين اللبنانيّين والفِلسطينيّين هم أنفسُهم يحاولون اليومَ، من خلالِ طرفٍ دُرزيٍّ آخَر، تفجيرَ الوضعِ انطلاقًا من الجبل عوض الجَنوب.

علاوةً عن السببِ المحليِّ المباشَر، وَقعت أحداثُ الجبلِ بالتزامنِ مع ما يلي: تعطيلُ المحورِ السوريِّ/ الإيرانيِّ مفاوضاتِ ترسيمِ الحدودِ اللبنانيّةِ ـــ الإسرائيليّة، محاولةُ النظامِ السوريِّ العودةَ إلى الساحةِ اللبنانيّة، إطلاقُ «صفقةِ القرنِ» التي تَلحَظُ توطينَ الفِلسطينيّين ودمجَ النازحين السوريّين، قُربُ صدورِ الحكمِ النهائيِّ من المحكمةِ الدوليّة بشأنِ اغتيالِ الرئيسِ الحريري، تصاعدُ العقوباتِ على إيران و«حزبِ الله» والضغطُ لانسحابِهما من سوريا، مطالبةُ المجتمعِ الدوليِّ لبنانَ بوضعِ استراتيجيّةٍ دفاعيّةٍ تَشمُل سلاحَ «حزبِ الله» لتشجيعِ الدولِ المانحةِ على الاستثمار، وفتحٌ مُبكرٌ السباقَ إلى رئاسةِ الجُمهوريّة اللبنانيّة وسطَ سطوعِ نجمِ الجيش.

قد يُفكِّرُ البعضُ أنَّ هذا «اللقاءَ الزمنيَّ» مجرّدُ مصادَفةٍ، إذ يَستحيلُ أن يُقرِّرَ حادثُ «قبرشمون» مصيرَ الشرقِ الأوسط. هل كان أحدٌ يَظنُّ سنةَ 1975 أن حادثَ «عينِ الرُّمانة» سيؤدّي إلى ما أدّى إليه؟ الفرقُ أن السلطةَ آنذاك تَركت الأمورَ تتفاعَلُ فيما السلطةُ اليومَ ـــ وهذا مُطَمْئِنٌ ـــ تَحرّكت فورًا وضَبطَت الأوضاعَ أمنيًّا (بعد حصولِها). إلى متى؟ وماذا عن الأضرارِ السياسيّةِ؟

التحدّي الأساس هو: مدى قدرةِ الدولةِ على مواجهةِ مُخطَّطٍ خارجيٍّ بطبقةٍ سياسيّةٍ مرتبطةٍ بالخارج وبمؤسّساتٍ مُخـترَقة؟ ومدى قدرتِها على إلغاءِ المحميّاتِ اللبنانيّة، فيما الفدراليّاتُ تُزهِرُ في كلِّ المشرِق.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فَصلٌ من الحروبِ القيْسيّةِ اليمنيّة فَصلٌ من الحروبِ القيْسيّةِ اليمنيّة



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 07:49 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ريتا أورا تحتفل بألبومها الثاني الذي ينتظره الجميع

GMT 15:03 2020 الإثنين ,18 أيار / مايو

فساتين خطوبة مطرزة لإطلالة إستثنائية فخمة

GMT 04:09 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يعثرون على أصغر كوكب خارج المجموعة الشمسية

GMT 00:55 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فؤاد قرفي يكشف عن مجموعته الجديدة من الأزياء

GMT 00:26 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

أجمل معاطف كيت ميدلتون موضة 2021 لمناسبة عيد ميلادها

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

البنك المركزي يصدر تعميم جديد يحدد سعر الصرف

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

تعرف على أسعار سيارات نيسان "بيك أب" بعد زيادة يونيو

GMT 08:09 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 08:53 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

"سيلفرمين" في السويد يعد من أغرب فنادق العالم

GMT 00:36 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

سارة سيد تكشف عن مميزات السياحة في ألمانيا

GMT 18:21 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

أحمد فهمي يتقدم بطلب الزواج من الفنانة رانيا يوسف

GMT 15:43 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

قوات الشرطة تحبط محاولة تفجير في مدينة العريش الثلاثاء

GMT 12:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لعبة MOBA الجديدة Mobile Legends متوفرة الآن على الهواتف الذكية

GMT 02:49 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر ضمن أفضل 10 دول في حجم القوات البحرية

GMT 03:49 2013 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

الشمس تقلل فرص الإصابة بالروماتويد

GMT 01:40 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مارتن لاف يكشف أبرز مزايا سيارة "إكس-ترايل" الجديدة

GMT 09:16 2013 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

الفراعنة أول من عرفوا السلم الموسيقي

GMT 16:11 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

التليفزيون المصري يعرض المسلسل النادر "مبروك جالك ولد"

GMT 08:33 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

صور لمناطق صينية غير مأهولة بالسكان تبدو كمدينة الأشباح
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq