أيُزهِرُ الربيعُ في تِشرين

أيُزهِرُ الربيعُ في تِشرين؟

أيُزهِرُ الربيعُ في تِشرين؟

 العراق اليوم -

أيُزهِرُ الربيعُ في تِشرين

سجعان القزي
بقلم :سجعان القزي

الثورةُ وهجُ شعبٍ يُدجِّنُ قدَرَه أو يُحطّمُه، لكنّها أمواجٌ لا تَمكُثُ طويلًا على الشواطئ. كوكبُ الثورةِ يدور حولَ كوكبِ الدولة. إذا التقيا عند الغروبِ تَصارعا على مَن يَغيبُ أوّلًا، فيَسقُطان معًا. وإذا التقيا عندَ الفجرِ يُشرِقان معًا.

جميعُ القِوى المشترِكةِ في الدورانِ اللبنانيِّ تُقاتِل في مُربَّعاتِها الأخيرة، ما يُصعِّبُ التنازلاتِ وبالتالي الحلول: الطبقةُ السياسيّةُ تَخشى نهايةَ عقودِها الثلاثة. حزبُ الله يَخشى نهايةَ سيطرتِه. التيّارُ الوطنيُّ الحرُّ يَخشى نهايةَ حكمِه. الشعبُ اللبنانيُّ يَخشى القضاءَ على بلدِه. الغربُ يأمَلُ استرجاعَ لبنان من الـمِحورِ السوريِّ/الإيرانيّ. وإيران تَخشى انحسارَها عن شواطئِ المتوسِّط. جميعُ هذه الرهاناتِ والآجالِ والآمالِ تشاركُ في الانتفاضةِ الشعبيّة، فإلى أي حدٍّ يُمكنها أن تتحمَّلَ لُعبةَ التاريخِ والأمم؟ لدى اندلاعِ الثورةِ الفرنسيّةِ سنةَ 1789، تساءل «نيكِر» (Necker)، وكان وزيرَ ماليّةِ لويس السادسَ عشَر: أَتسقُط فرنسا أم الـمَلَــكيّةُ فقط؟

لئلّا يَسقُطَ الكيانُ مع الحكومةِ، والنظامُ مع الطبقةِ السياسيّةِ، ناشدَ البطريركُ المارونيُّ مار بطرس بشارة الراعيَ الدولةَ «أنْ تستجيبَ سريعًا لمطالبِ الشعبِ وتؤلّفَ حكومةً، جديدةً بكاملِها وذاتَ صِدقيّة». أجل، نريدُ حكومةً تُمثّلُ الشعبَ لا المجلسَ النيابيَّ ولا الطبقةَ السياسيّة ولا المحاورَ الإقليميّة. نريدُ حكومةً تحوزُ على ابتساماتِ الناسِ ودموعِها. أَيُعقلُ أنْ استجابَت الأنظمةُ الديكتاتوريّةُ لشعوبِها، إبّانَ «الربيعِ العربيّ» الزائِف، وغَيّرت الحكوماتِ فورًا، ونظامُنا الديمقراطيُّ ـــ مبدئيًّا ـــ يُعاند اليومَ ويَتخَنْدقُ وراءَ حكومةٍ رَمليّة؟ الرمالُ لا تقاومُ الأمواج...

سيّدُ حسن نصرالله: «لاءاتُك» تَنتمي إلى معادلةٍ تتهاوى. وَصَّفتَ الواقعَ جيّدًا لكنّك طَرَحت حلولًا سيّئة. أنتَ طرفٌ وازِنٌ في البلدِ، لكنّك لستَ وحدكَ البلدَ. لا تَختصِرْ وجودَك بسلاحِك. لا تَدَعْ أصواتَ القصفِ تَحجُبُ عنك أصواتَ الناس. فأنا لم أقرأ عن مقاومةٍ في التاريخِ خَرجَت عن الدولةِ والشعبِ معًا... إذا كانت وراءَ هذه الانتفاضةِ دولٌ وسفاراتٌ فأهلًا بها تُوحِّدُ اللبنانيّين، ووَداعًا للدولِ والسفاراتِ التي قَسَّمت اللبنانيّين.

منطقُ الثورةِ يَسود الانتفاضةَ الشعبيّة. ورغمَ أنَّ المنتَفضين لم يُقدِّموا قيادةً ومشروعًا وطرحًا سياسيًّا ـــ حالُ مفهومِ الثورات ـــ فَهُم مُقتنِعون بأنّهم يقومون بثورةٍ لا بانتفاضةٍ فقط، وبأنَّ المطالبَ المتفرِّقةَ، من الجنوبِ إلى الشمال، تُشكِّل، مجموعةً، مشروعَ تغييرٍ متكامِل. لقد بدأ الصراعُ بين منطقِ الثورةِ، وهي ليست بثورةٍ، وبين منطقِ الدولةِ، وهي ليست بدولة. حين غابَت المعارَضةُ السياسيّةُ نَشأت المعارضَةُ الشعبيّة. فلا تَوافُقَ شعبيًّا على الحكوماتِ التوافقيّةِ. الثوراتُ تسألُ حلولًا لا تسويات.

نحن أمامَ نهايةِ زمنٍ وبدايةِ آخَر. نعيشُ تزامنَ تداولِ السلطةِ وتداولِ الأجيالِ وتداولِ المعادلات. رائعٌ أن نُنجِزَ كلَّ ذلك سلميًّا، بَـيْـدَ أنّه مستحيل. هي معاركُ حياةٍ أو موت، لكنّها ليست بالتأكيد معاركَ غالبٍ ومغلوب. واهِمٌ أيُّ طرف يَظنُّ الانتصارَ بمتناول يده. لا يَحِقُّ النصرُ إلّا للشعب. والانتصارُ الوحيدُ المتاحُ هو الانتقالُ الديمقراطيُّ إلى الدولة. وأصلًا، إنَّ سببَ الأزَماتِ المتعاقِبةِ على لبنان منذ خمسينَ سنةً هو خروجُ الناسِ عن الدولةِ، وخروجُ الدولةِ عن الدستور، وخروجُ الدستورِ عن الميثاق. وجميعُ التسوياتِ السابقةِ قَضَت بالعودةِ إلى الدولةِ والدستور والميثاق. لكنّنا احترَمناها موقّـتًـا وجزئـيًّـا فسقطت.

هذا الخروجُ المتمادي ناتجٌ عن عامِلَين: الأوّلُ هو سيطرةُ قِوى سياسيّةٍ/طائفيّة، منذ عقودٍ طويلةٍ، على بعضِ مكوّناتِ المجتمعِ اللبنانيِّ فحوّلت ولاءه إلى دولٍ أخرى ومشاريعَ عربيّةٍ وإقليمية؛ بينما لو تُرِكت هذه المكوِّناتُ على سَجيَّتِها وحرّيتِها لما عَقدَت ولاءَها سوى للبنان. العاملُ الآخَر هو عدمُ شعورِ المكوِّناتِ الطائفيّةِ بأنّها بَلغت مُبتغاها في السلطة. الطوائفُ التي كَسبَت في «الطائف» تَعتبر مكاسبَها ناقصةً، والطوائفُ التي خَسِرت تَنتظر التعويض. لكنَّ هذا النظامَ المركزيَّ لا يستطيعُ أنْ يزيدَ ولا أنْ يُعوِّض، فلنبدأ البحثَ عن آخَر.

أوّلُ بلاغٍ أَصدَرتْهُ الانتفاضةُ اللبنانيّةُ هو تَمسّكُ اللبنانيّين بنَمطِ حياةٍ مدنيٍّ، عصريٍّ، مبنيٍّ على الفرحِ والشفافيّةِ، وعلى الحرّيةِ والأمن. أسقط شبابُ لبنان وشابّـاتُه نمطَ الحياةِ المستورَدَ الذي تَسلّلَ إلى مجتمعِ لبنانَ منذَ أربعين سنة. انتخَب اللبنانيّون الفرحَ ميثاقًا جديدًا بينَهم. مَن لا يؤمن بالفرحِ لا يَتمتّعُ بصفة تمثيلِ اللبنانيّين. وثاني بلاغٍ هو إيمانُ الانتفاضةِ بالدولةِ والديمقراطيّةِ والوِحدة. الانتفاضةُ اليومَ ضَمَّت إلى صدرِها المكوّنَ الشيعيَّ الذي احتَجَب عن «انتفاضةِ الأرز» سنةَ 2005.

الشيعيّةُ اللبنانيّةُ انتفضَت على الشيعيّةِ الإيرانيّة: لا ضِدَّ حزبِ الله المقاوَمةِ، ولا ضِدَّ إيران الدولةِ الإقليميّةِ الكبيرة، بل ضِدَّ جدليّةِ العنف. وَجدت أنَّ الثورةَ الإسلاميّةَ لم تَتحوّل دولةً تَنتظمُ في سيمفونيّة الأمم، وأنَّ الصواريخَ والبنادقَ لم تَتحوّل أرغِفةً ووظائف، وأنَّ الجبهاتِ لم تَتحوَّل مساكِن. اكتشَف شيعةُ لبنان ـــ والعراق أيضًا ـــ أنَّ الانتصاراتِ العسكريّةَ التي سجّلتها إيرانُ وتنظيماتُها الحليفةُ في البلدين والمِنطقةِ زَجَّتهم في حروبٍ لامتناهيةٍ، فيما هم يَتوقون إلى السلامِ بعدَ أربعينَ سنةً من ثوراتٍ ومعاركَ، واضطِهادٍ ومقاومة. «السلاحُ زينةُ الرجال» صحيحٌ، لكنّه ليس حياةَ الشعوب.

حين أُعلنَ «لبنانُ الكبير» في المؤتمراتِ الدوليّة سنةَ 1920، انتظَر سبعينَ سنةً ليعترفَ به جميعُ اللبنانيّين في اتفاقِ الطائف «وطنًا نهائيًّا». أما «لبنانُ الكبير»، الذي يَنبعثُ اليومَ من الساحاتِ اللبنانيّة، فلم يَنتظر سوى عشرِ ساعاتٍ ليَعتَمدَه اللبنانيّون «أملًا نهائيًّا». رائعٌ هذا الواقعُ حتّى ليكادُ يكونُ حُلمًا. والحلمُ كان عظيمًا حتّى استحقَّ أنْ يُصبحَ واقعًا. في الأمسِ القريبِ كنا نسأل: «أيَّ لبنانَ نريد؟»، فأشرقَ الجوابُ من عيونِ الأجيال. وفي الأمسِ البعيدِ كنا نَسأل: «أينَ الربيعُ العربيَّ»، فأَطَلَّ من لبنان في نُسختِه الصحيحةِ المدنيّةِ والديمقراطيّةِ، ليعودَ وينتشرَ في أرجاءِ العالم العربي. حَمى اللهُ ربيعَ لبنان ليكونَ الـمَثلَ لا الشَبَه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيُزهِرُ الربيعُ في تِشرين أيُزهِرُ الربيعُ في تِشرين



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 20:38 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

الهلال يتعاقد مع نجل الدولي السابق عبده عطيف

GMT 10:17 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

دون كيشوت" من أفضل 10 مطاعم في مصر

GMT 03:01 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

جورج وسوف يصرح "بشار الأسد مش هنلاقي أحسن منه"

GMT 00:52 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كوسوفو مدينة جميلة اكتشفها أنت وعروسك خلال شهر العسل

GMT 19:55 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

تعلمي طريقة تكبير الشفايف بالمكياج في البيت

GMT 19:29 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

الرئيس محمود عباس يزور مركز الإحصاء الفلسطيني

GMT 01:14 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

طريقة اعداد التورتة على شكل الرمان

GMT 21:15 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

غاري نيفيل يكشف سر نجاح كريستيانو رونالدو

GMT 07:46 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

سايرس مثيرة في بدلة مستوحاة من ثياب القراصنة

GMT 13:53 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

الإعلامي عمرو الليثي يزور مستشفى أبو الريش للأطفال

GMT 19:58 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

دار "Bulgari" تكشف عن مجموعة من العقود المرصّعة بالأحجار الكريمة

GMT 14:45 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الألوان المبهجة تسيطر على ديكور الشتاء هذا الموسم

GMT 23:14 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي تؤكّد أنّ من يزرع الفن سيحصد العالمية

GMT 03:55 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

نادي "المحافظة السوري" يضم حسام السمان لمدة موسم واحد

GMT 02:10 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

انتهاء مهلة بغداد للبيشمركة للانسحاب من محافظة كركوك

GMT 05:43 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

عودة سحر فيرساتشي القديم إلى الحياة على منصات الأزياء
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq