إدارة منقادة وليست قائدة

إدارة منقادة وليست قائدة

إدارة منقادة وليست قائدة

 العراق اليوم -

إدارة منقادة وليست قائدة

بقلم :عريب الرنتاوي

يتوزع تركيز إدارة الرئيس دونالد ترمب بين ملفين نوويين: إيران وكوريا الشمالية، وتعتمد مقاربتين مختلفتين حيال كل منهما، ففيما «الاحتواء الناعم» المشفوع بمزيد من «الجزر» هي عناوين الصفقة المعروضة على بيونغ يانغ من واشنطن وحلفائها في تلك المنطقة، فإن إيران لا تتلقى في المقابل سوى المزيد من التهديد والوعيد، المشفوعين بقوائم لا تنتهي من الأفراد والمؤسسات المشمولة بالعقوبات ... فيما وعود «الرخاء» تنهمر على كيم جونغ أون، فإن كلمة «السحق» هي أكثر ما يتردد في الرسائل الأمريكية الموجهة لـ»المرشد الأعلى» ... لا توزيع عادلاً للعصيّ والجزر بين الدولتين النوويتين، كوريا الشمالية التي توافرت على «القنبلة» ووسائط نقلها «الصواريخ العابرة للقارات» تتلقى المزيد من الجزر، فيما إيران التي تؤكد صبح مساء أن برنامجها غير عسكري، وأبرمت اتفاقاً مع المجتمع الدولي بهذا الصدد لا تتلقى سوى المزيد من العصي، وضربات باتت روتيناً يومياً في سوريا.

مع هبوب «نسائم الغزل» بين واشنطن وبيونغ يانغ، وتواتر الأحاديث عن قمة غير مسبوقة بين قيادتي البلدتين، وبعد موجة من التصعيد «الكاريكاتيري» المضحك، حول «رجل الصواريخ الصغير» و»زري النووي أكبر من زرك»، قلنا في هذه الزاوية بالذات، إن إعادة انتاج النموذج الكوري الشمالي، غير ممكن إيرانياً، وإن على طهران أن تقرأ تفاصيل المقاربة الأمريكية حيال ملف كوريا الشمالية النووي، من دون أوهام، فثمة سياقات مختلفة للأزمتين، وأبرزنا على نحو خاص، أنه حين يتعلق الأمر بإيران، فإن إسرائيل هي من سيقرر السياسة والمقاربة، وليست واشنطن ولا إدارة ترمب، وهذا ما كان، وهذا ما يجري على الأرض السورية ابتداءً، وهذه مقاربة ما زالت تحتفظ بصحتها بالكامل.

لكن دانييل ليفي مدير المشروع الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط، والمستشار السابق لأكثر من رئيس حكومة إسرائيلية، تناول المسألة في سياقها الأكبر، حين كتب في مجلة «الفورين بوليسي» مقالة بعنوان:»  «Trump Is Following, Not Leading، شكك فيها في زعم الإدارة أنها تقود سياسة خارجية نابعة من ذاتها ومنبثقة من حسابتها حيال الأزمتين الإيرانية والكورية، موضحاً أن حلفاء واشنطن في هذه المناطق، هم من يملون على واشنطن سياساتها، وأن جهود ومبادرات كل الزعيم الكوري الجنوبي مون جاي إن، وبدرجة ثانية، رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، قد تقود إلى صنع السلام في شبه الجزيرة الكورية، فيما حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط: بينامين نتنياهو، وبعض القادة العرب، يقودون واشنطن إلى حرب، تبدو مرجحة، ضد إيران، بصرف النظر عن شكلها وأدواتها وتوقيتها.

من هم في مقعد القيادة في هاتين الأزمتين النوويتين، ليس ترمب ولا مستشاره بولتون شديد التطرف والعدائية، ولا الوزير بومبيو صاحب «خريطة الطريق إلى جهنم» التي عرضها في «الهيريتيج فاونديشين» اليمنية المحافظة، بل كل من مون ونتنياهو، يعاونهما عدد من اللاعبين الإقليميين الأقل تأثيراً في كلتا الأزمتين ... إدارة منقادة وليست قائدة، هذه هي الخلاصة التي بدأها ليفي وانتهى إليها.

ولقد وفرت تطورات الساعات الـ «72» الفائتة، برهاناً جديداً على صحة هذا التقدير، فبين عشية وضحاها، وفي غضون أربع وعشرين ساعة فقط، انقلب موقف الإدارة الأمريكية، من إعلان فشل الجهود الرامية لعقد قمة سنغافورة وإلغائها إلى العودة لتأكيد انعقادها في موعدها المقرر ... من التهديد والوعيد من جديد، إلى اللغة الناعمة وإبداء الاستعدادات السخيّة لتقديم كل ما يلزم من ضمانات وتطمينات ووعود بالرخاء العميم، حتى أن الأنباء بدأت تتوقع انضمام كوريا الشمالية إلى نادي الدول الصناعية العشرين، في فترة زمنية قياسية قادمة؟!

لولا جهود مون، لما كان استنقاذ القمة أمراً ممكنا، ولما عادت الأزمة الكورية إلى سكة الحلول السياسية – التفاوضية ... لولا «عقلانية» النظام السياسي الكوري الجنوبي، المستندة إلى المؤسسات وصناديق الاقتراع، لما أمكن تحقيق هذه النقلة في الموقف الأمريكي ... بخلاف ما رأيناه عشية التوقيع على «النووي الإيراني» من هستيريا الانتقادات التي انطلقت من إسرائيل وبعض دول المنطقة، وهي ذاتها الدول التي انفردت بالضد من الإجماع العالمي، بالترحيب بقرار ترمب المتسرّع وغير المسؤول، بالانسحاب من هذا الاتفاق، وما أعقبه من كشف عن بنود «صك الإذعان» الذي يراد فرضه على إيران من جانب واحد، ومن دون قيد أو شرط.

هنا يظهر أثر «العنصرية» و»نزعة التفوق» و»ميول الهيمنة والتوسع» التي تغلف الخطاب الإسرائيلي وتتحكم به ... هنا تتجلى «لا عقلانية» السياسات العربية، المؤسسة على حكم الفرد ونزعاته ونزواته، وأثرها في صنع السياسات وتشكيل المواقف ... هناك قد يجد السلام والنماء فرصة ثانية، وهنا قد تدخل المنطقة في أتون حرب خليجية – كونية رابعة في غضون أقل من أربعة عقود.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدارة منقادة وليست قائدة إدارة منقادة وليست قائدة



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

GMT 21:48 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 03:36 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

هبة القواس تحيي أول حفلة أوبرا في السعودية

GMT 22:47 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

نوح الموسى يؤكّد أنّ التعادل مع الإمارات نتيجة مرضية

GMT 22:50 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

افتتاح فندق "روف مرسى دبي" بسعة 384 غرفة

GMT 12:39 2015 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الأخطبوط يلجأ إلى حيل مثيرة للدهشة للإيقاع بالفريسة

GMT 23:43 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 08:08 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

إردوغان يحذّر من تغلغل "حركة غولن" في أجهزة الدولة والمجتمع

GMT 07:47 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

حوار خاص مع جميل راتب داخل أحد المستشفيات قبل وفاته

GMT 03:55 2018 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

مواصفات هائلة في سيارة الدفع الرباعي مازدا CX5

GMT 10:44 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

إدراج "أبو تريكة" ضمن قرار مصادرة أموال 1589 إخوانيًا

GMT 18:45 2018 الجمعة ,03 آب / أغسطس

المغرب يطلق 23 مهرجانًا للاهتمام بالموروث
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq