إيران وكلف اللعب مع الكبار

إيران وكلف "اللعب مع الكبار"

إيران وكلف "اللعب مع الكبار"

 العراق اليوم -

إيران وكلف اللعب مع الكبار

بقلم :عريب الرنتاوي

عندما قدّم وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، عرضه لـ«صداقة» إيران، مشفوعاً بدزينة من الشروط المذّلة، صِيغَت بلغة «صك إذعان»، قلنا في هذه الزاوية، إن «صداقة» واشنطن أكثر كلفة على إيران من «عداوتها»... شروط بومبيو، لن تبقي من إيران، ونظامها السياسي، حجراً فوق آخر، سيما وأننا نعرف، مثلما يعرف كثيرون، أن شروط واشنطن من النوع «المتناسل» الذي لا يتوقف عن «التكاثر» حتى يرتدي «الوليّ الفقيه»، «الجينز» ويعتمر الرئيس روحاني قبعة «اليانكي» الأمريكي. 

إيران تواجه اليوم، تحدٍيا من نوع آخر، إذ سيتعين عليها اختبار كلفة «صداقة» موسكو كذلك، ووضعها في كفة مقابل كلفة فض «تحالف أستانا» وتكبد أعباء «عداوة» الكرملين، ومواجهة القيصر، بدءاً من الساحة السورية... هنا أيضاً، تبدو أن كلف الصداقة، أكثر فداحة، أو لا تقل في أدنى تقدير، عن كلف العداء والمواجهة.

في سوريا، انتهى «موسم» الترويج لمحور «المقاومة والممانعة»، المدعوم روسياً، والمحصن بمجموعة «بريكس» والمنسق في سياقات أستانا ومساراتها... لتطغى على المشهد، الأنباء والتقارير عن «خلافات» روسية – إيرانية في سوريا وعليها... وهي الأنباء التي لم يعد إنكارها أو نفيها أمراً ممكناً، بعد أن ظهر التباين إلى العلن، وعلى أرفع مستويات صنع القرار والسياسة في العواصم ذات الصلة.

روسيا، ذهبت بعيداً في تفاهماتها مع إسرائيل... زيارتا نتنياهو وليبرمان المتعاقبتان إلى موسكو وضعتا كثيرٍا من النقاط على حروف هذه التفاهمات، وأهمها على الإطلاق، تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، بدءاً من جنوبها... فيما الأنباء المتواترة من موسكو، لا تتوقف عن الحديث عن قرب إنجاز مهمة نشر الجيش السوري في المحافظات الجنوبية الثلاث، وعلى امتداد خط الحدود مع الأردن والجولان المحتل، ودائماً بعد الانتهاء من سحب القوات الإيرانية والمليشيات المحسوبة عليها من هذه المنطقة.

قبل ذلك، كانت «التفاهمات» إياها، قد أفضت إلى رفع الغطاء الجوي الروسي عن القوات الإيرانية و»الرديفة» المنتشرة في سوريا، الأمر الذي تركها مكشوفة أمام الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية المتكررة والمؤلمة، التي بددت «نظرية تغيير قواعد الاشتباك» التي راجت بعد إسقاط طائرة «الإف 15» الإسرائيلية وتوجيه رشقة صاروخية سورية – إيرانية إلى الجولان المحتل.

واليوم، وبعد قمة سوتشي الأخيرة، التي جمعت الأسد ببوتين، تتواتر الأنباء عن شروع النظام في تفكيك المليشيات المحسوبة عليه ابتداءً، والتي يتولى قيادتها ضباط وشخصيات، محسوبة على النظام وأجهزته الأمنية، وسط ارتياح شعبي عارم، بعد أن تحولت هذه المليشيات، إلى منظمات لفرض «الخاوات» والجباية»، متلفته من القانون وخارجة عليه... والمرجح أن هذه العملية ستستمر لتشمل ميليشيات وافدة من الخارج، سيما من العراق وأفغانستان، أما مقاتلو حزب الله، فالأنباء لا تنقطع عن انسحاباتهم إلى لبنان، وإعادة تموضعهم وانتشارهم في مناطق سورية محددة، ووفق تفاهمات وترتيبات، يقوم بها «الراعي الروسي الكبير».

على مضض، وكمن يتجرع كأس السم الزعاف، تعلن إيران أنها لا تحتفظ بأي وجود في جنوب سوريا، وتعلن دمشق، أن الوجود الإيراني «الشرعي» على أرضها، إنما يقتصر على خبراء ومستشارين لا أكثر، بل وذهبت طهران أبعد من ذلك، عندما نفت أن تكون قواتها قد تعرضت لهجمات إسرائيلية، أو أنها بادرت بشن هجمات على إسرائيل، بل وأن يكون ضحايا إيرانيون قد سقطوا بنتيجة الضربات الإسرائيلية، في لهجة انسحابية ظاهرة، تبرز عمق مأزق إيران مع «حليفها» الروسي، وتعكس كلفة هذه الصداقة على حياة الإيرانيين ودور بلادهم المكلف جداً في سوريا.

إيران لم تختر «عداوة» واشنطن، الأخيرة فرضتها عليها، وهي ليست قادرة على دفع فاتورة «صداقتها» في الوقت ذاته... بيد أن إيران هي من اختارت «صداقة» موسكو، إن جاز لنا أن نسمي ذلك «اختياراً» في ضوء ضيق مساحة الخيارات الإيرانية في مواجهة الهجمة الأمريكية – الإسرائيلية الضارية عليها.... لكن إيران تكتشف يوماً بعد يوم، وبالطريقة الصعبة، أن كلفة هذه «الصداقة» باهظة للغاية، وهي بصدد وضع مكتسباتها في سوريا، في ميزان الربح والخسارة، ولكن من منظور شمولي أكبر وأوسع... فالتفريط بها في هذه الوقت السيء لإيران، ليس خياراً، سيما في ضوء ما ينتظر طهران من مواجهات متعددة الساحات والأدوات مع الولايات المتحدة، لكن الاحتفاظ بها والإبقاء على عراها المتينة، يتطلب دفع ثمن مؤلم، في سوريا، ومن «حساب المكتسبات» المكلفة المتحققة في السنوات الثماني الأخيرة.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وكلف اللعب مع الكبار إيران وكلف اللعب مع الكبار



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

GMT 21:48 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 03:36 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

هبة القواس تحيي أول حفلة أوبرا في السعودية

GMT 22:47 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

نوح الموسى يؤكّد أنّ التعادل مع الإمارات نتيجة مرضية

GMT 22:50 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

افتتاح فندق "روف مرسى دبي" بسعة 384 غرفة

GMT 12:39 2015 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الأخطبوط يلجأ إلى حيل مثيرة للدهشة للإيقاع بالفريسة

GMT 23:43 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 08:08 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

إردوغان يحذّر من تغلغل "حركة غولن" في أجهزة الدولة والمجتمع

GMT 07:47 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

حوار خاص مع جميل راتب داخل أحد المستشفيات قبل وفاته

GMT 03:55 2018 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

مواصفات هائلة في سيارة الدفع الرباعي مازدا CX5

GMT 10:44 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

إدراج "أبو تريكة" ضمن قرار مصادرة أموال 1589 إخوانيًا

GMT 18:45 2018 الجمعة ,03 آب / أغسطس

المغرب يطلق 23 مهرجانًا للاهتمام بالموروث
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq