مسيرات غزة حين تتلطّى حسابات السلطة بشعارات المقاومة

مسيرات غزة حين تتلطّى حسابات "السلطة" بشعارات "المقاومة"

مسيرات غزة حين تتلطّى حسابات "السلطة" بشعارات "المقاومة"

 العراق اليوم -

مسيرات غزة حين تتلطّى حسابات السلطة بشعارات المقاومة

بقلم :عريب الرنتاوي

لسنا نشكك في «دافعية» أهل غزة أو اندفاعتهم لتصدر صفوف المقاومة والكفاح الوطنيين الفلسطينيين ... هم من يعطون «شهادات الوطنية والثبات والفداء»، وليسوا أبداً بحاجة لمن يشهد لهم أو يشهد عليهم ... ولكن لا بأس من بعض المصارحة والمكاشفة في تناول «مسيرات العودة الكبرى»، وتفحص مرامي القائمين عليها ومحركيها ونواياهم، إذ على الرغم من أن «الحكاية» باتت معروفة إلى حد كبير، إلا أن البعض ما زال مصراً على الجهر بشيء واستبطان شيء آخر.

انطلقت المسيرات بزخم شعبي هائل، في آذار الفائت، وبلغت ذروة مجيدة في الذكرى السبعين للنكبة، وهبّ أهل غزة عن بكرة أبيهم، في مسعى مخلص ونبيل، من أجل إعلاء رايات العودة وتقرير المصير، رداً على مساعي تهميش قضيتهم الوطنية وتفكيكها، وانتصاراً للمصالحة الوطنية، و»طرقاً لجدران الخزان» الذي وجدوا أنفسهم فيه بفعل الحصار الإسرائيلي وإجراءات ذوي القربى «الأشد مضاضة»، وفعل الحراك الشعبي فعله في تحريك المياه الراكدة، ونفض الغبار، وإعادة الاعتبار لقضية الشعب الفلسطيني الوطنية، العادلة والمشروعة، وبأشكال سلمية – حضارية، أدهشت العدو قبل الصديق.

لكن تلك البطولات والتضحيات الجسام، لم تحجب للحظة واحدة، حقيقة أن الطرف الرئيس المنظم لمسيرات والمشارك فيها بقوة وزخم، كانت له أهداف أخرى، لم يصارح بها شعبه، لا عند اندلاع المسيرات ولا في يومنا الحاضر، فكان شعار «فك الحصار» عن القطاع، هو التعبير الدبلوماسي، الملطف والمضلل، عن هدف «التهدئة» الذي تصدر أولويات حركة حماس وسلطة الأمر الواقع في القطاع المحاصر ... هنا الوردة فلنرقص هنا.

لتأتي التطورات اللاحقة برهاناً على أن «العودة» لم تكن الهدف الأول لتحريك عشرات ومئات ألوف الفلسطينيين صوب السياج الحدودي مع الاحتلال، وإنما التوصل إلى اتفاق تهدئة بين حماس والاحتلال، بوساطة مصرية أو أممية أو قطرية، ينهض على عامودين: الأول؛ تفكيك مأزق حماس في غزة ومأزق غزة مع حماس ... والثاني؛ تقديم التهدئة على المصالحة، بما يسمح بتكريس سلطة حماس، ومن ثم، تعزيز شروطها التفاوضية مع سلطة رام الله في حوارات المحاصصة وتقاسم كعكعة السلطة ووراثة النظام السياسي الفلسطيني المتهالك أصلاً.

مع تقدم وساطات التهدئة وبلوغ الوسطاء حافة «التوقيع بالأحرف الأولى»، بدا أن الحماسة لمسيرات العودة قد تراجعت، وقطعت وعود وتعهدات، بوقف تسيير الطائرات الورقية والبالونات إلى الشطر الآخر من السياج الشائك ... وتم الالتزام بتنفيذ هذه الوعود والتعهدات، وشهدت المناطق هدوءً لافتاً، وتراجعت أعداد الشهداء والجرحى ... لكن رياح الإقليم، وربما المجتمع الدولي، لم تهب بما تشتهي سفن الحركة وسلطتها، فعادت المصالحة لتتقدم على التهدئة، وعادت سلطة رام الله لتمسك بزمام المبادرة من جديد، فترتب على ذلك، عودة التصعيد لخطوط التماس ومعسكرات المتظاهرين، وشهدت الأجواء عودة الطائرات الورقية والبالونات من جديد، وإن بأعداد أقل، وتفيد التقارير، بأن هناك من يدعم ويحرض و»يموّل» عمليات الاقتراب من السياج الحدودي، حتى وإن أفضى ذلك إلى تزايد أعداد الشهداء والجرحى.

لقد تم ضبط «مسيرات العودة الكبرى» على إيقاع المشاورات والمفاوضات حول التهدئة، كلما تقدمت المفاوضات، تراجعت وتيرة المسيرات، والعكس صحيح ... لقد نشأ الدليل المادي الملموس على هذه الحقيقة المحتجبة، بعد أن كان الحديث عنها مجرد تخرصات وتكهنات، فـ «العودة» هي الاسم المعطى لهذه المسيرات، أما هدفها فيكمن في مطرح آخر: التهدئة... وهنا، تتكشف التجربة عن واحد من أكثر الدروس بؤساً وإيلاماً: كيف نجح الانقسام في تفريغ واحدة من أنبل ظواهر المقاومة الفلسطينية الشعبية، وتحويلها من أداة لمقارعة الاحتلال ورفع كلفه وخسائره، إلى وسيلة لتسوية الصراعات الداخلية، وتحسين مكانة هذا الفريق على حساب ذاك.

ولسنا بالمناسبة ضد تحقيق التهدئة في قطاع غزة، ومن باب أولى، لسنا نستخف بهدف رفع الحصار وإنهاء معاناة أبناء القطاع وبناته ... ولكننا هنا نضع بعض النقاط على بعض الحروف، حتى لا تضيع الحقائق في بحر من الشعارات والديماغوجيات القاتلة.

وها نحن نعود ونؤكد من جديد، أن التهدئة يجب أن تتصدر جدول أعمال الفلسطينيين جميعاً، وليس الغزيين وحدهم بكل حال ... ولكن، ولكيلا تصب التهدئة في طاحونة «صفقة القرن»، ويصبح الحل الإنساني مدخلاً لكوارث سياسية تتربص بالشعب الفلسطيني، فلا بد من إنجاز المصالحة أولا، ولا بد من عودة السلطة إلى قطاع غزة، ولا بد من وحدة على أساس الشراكة الوطنية الكاملة ... هنا، وهنا فقط، يمكن أن ينجح الفلسطينيون في «سدّ الثغرات» التي يمكن أن يتسلل منها ترامب وصفقته اللئيمة.

ومثلما نجح فريق من الفلسطينيين في إدامة «التنسيق الأمني» مع الاحتلال، وسعى فريق آخر في التفاوض على «تهدئة» معه وإدامتها طويلاً، فإنه من باب أولى أن ينجح الفريقان الفلسطينيان في تهدئة الأوضاع القائمة بينهما والشروع في تنسيق المواقف والجهود، أمنية كانت أم سياسية واقتصادية واجتماعية.

لقد آن الأوان لكي تصارح حماس شعبها: مسيرات العودة مصممة ومسيّرة لتحقيق تهدئة في ظل سلطة حماس، وإيقاعها مضبوط على هذا الهدف، وعليه وحده، وإنها باتت أداة للاستخدام في الصراع الفلسطيني الداخلي، حتى وإن اتخذت شكلاً مقاوماً للاحتلال.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسيرات غزة حين تتلطّى حسابات السلطة بشعارات المقاومة مسيرات غزة حين تتلطّى حسابات السلطة بشعارات المقاومة



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 09:45 2021 السبت ,20 شباط / فبراير

سياحة إفتراضية على متن مركب شراعي في أسوان

GMT 20:47 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 21:28 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 22:02 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 15:16 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

لا رغبة لك في مضايقة الآخرين

GMT 11:00 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

حفل توقيع المجموعة القصصية "عود بخور" بمكتبة "ألف"

GMT 09:51 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

تفاصيل " المندرة " عمل مسرحي عن "كورونا"

GMT 12:06 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

"الغارديان" تكشف عن وقائع الاغتصاب في سجن أبو غريب

GMT 04:41 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

ريهانا تثير الجدل مجددًا بإطلالة غريبة تظهر رشاقتها

GMT 06:19 2017 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

هديل العزاوي تنصح الفتيات بالخروج دون "ميك آب"

GMT 08:42 2017 الجمعة ,27 كانون الثاني / يناير

استمتع بقضاء شهر عسل في مدينة التسلية والتسوق ميامي

GMT 22:30 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

قصات شعر للوجه المثلّث..

GMT 06:50 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

عواصف شتوية عاتية تضرب خمسة ولايات أميركية الأحد

GMT 17:58 2019 الأحد ,06 كانون الثاني / يناير

منتخب يد تونس يهزم اليابان في بطولة يالو كاب السويسرية

GMT 15:14 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

7 علامات من السنّة تعرف بها "ليلة القدر"
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq