نظام فاسد لشعب قوي

نظام فاسد لشعب قوي

نظام فاسد لشعب قوي

 العراق اليوم -

نظام فاسد لشعب قوي

حسن البطل
بقلم - حسن البطل

«نحن في خير بمدينة مدمّرة ومستباحة» هكذا عقّب إلياس خوري على الانفجار الرهيب البيروتي. إلياس هو، منذ انتفاضة 17 تشرين ضد نظام الفساد اللبناني، كأنه في مقالاته عنها، هو أحسن ناطق لها.

نعم، شعب لبنان في خير، لأنه أقوى شعب عربي مع الشعب الفلسطيني، ولعلّ إلياس خير من كتب عن محنة الشعبين، وشارك في نضالهما، أيضاً، في السياسة وفي الأدب معاً. في أوّل رواياته اللبنانية «الجبل الصغير» وفي كل رواياته الفلسطينية، وهي خير ما كتب أديب عربي.
من الحرب الأهلية اللبنانية الكبرى في العام 1975 إلى العام 2004، أمكن لهذا البلد العربي الصغير والشعب الذي يصعب حكمه، التغلب على جملة من «الاحتلالات» الفلسطينية، والإسرائيلية، والسورية على التتابع، وهو الآن في غمرة التمرد على «الاحتلال» الإيراني غير المباشر، كما الشعب العراقي في غمرة انتفاضة «ساحة التحرير» البغدادية في نضال ضد دولة الفساد من جهة، والاحتلال الإيراني من جهة أخرى.
في الظاهر، يبدو لبنان بلد الطوائف الدينية ـ السياسية الـ16 أو الـ18، كما يبدو العراق بلد الطوائف والشعوب والقوميات، والبلدان يبدوان في تقارير الفساد الدولية في طليعة دول الفساد في العالم العربي والعالمي، أيضاً. الفارق بين العراق ولبنان، أن الأوّل خضع لحكم دكتاتوري منذ سيطر «البعث» عليه، بينما لبنان لا يستقيم فيه إرساء حكم دكتاتوري بتحالف ميليشيا «حزب الله» القوية مع جناح في المارونية السياسية ـ الطوائفية.
طيلة الحرب الأهلية اللبنانية عشت في بيت بشارع أميركا، خلف البنك المركزي اللبناني، وهو صورة مصغرة عن لبنان الطوائفي المسيحي (موارنة وأرثوذكس وكاثوليك، وارمن) والإسلامي (السنّي والشيعي).. وأنا كنت الفلسطيني الوحيد، وكان سليم بركات الكردي الوحيد، وكان هناك في الشارع مكتب للنواب الموارنة المستقلين، وبيت لرئيس الأركان الدرزي محمود طي أبو ضرغم، وكانت العلاقات جيدة بين هذا الخليط.
حتى في أتون الحرب الأهلية كانت رحلات مشتركة للعائلات، فالجميع يشرب العرق، وتتبارى السيدات في تجهيز الكبّة النية، وفي إطلاق المواويل الشعبية، للبنانيين، على اختلاف طوائفهم، ثقافة حياة مشتركة، وعادات لبنانية مشتركة.
نعم، كنت أنا الفلسطيني صديقاً لإيليا الماروني، وإيلي الماروني وحليم دكاش الماروني، وإلياس الأرثوذكسي، وأبو غارو الأرمني، ويوسف السرياني وزوجته تيريز، التي كانت تقول لي، لو كل الفلسطينيين مثلك فلا مشكلة، بينما لما مرض حليم دكاش في مستشفى «أوتيل ديو» المسيحي الكتائبي الشهير، كان تحت التخدير ينطق باسمي: حسن.. حسن. مع ذلك كان بهجت صاحب الدكانة الوحيدة في شارع أميركا، وهو الأرثوذكسي، يقول عنه الجيران الموارنة، إنه «سوري» لأنه جاء للبنان العام 1963 وتجنّس، وبقي «سورياً» في نظر جيرانه، ولكن بقيت علاقته ودّية مع الجميع، ودفتر ديونهم لديه عن الجميع.
في الذاكرة التاريخية أن زلزالاً دمّر بيروت، وفي التاريخ القريب أن الحرب الأهلية اللبنانية دمّرت أسواق بيروت العتيقة، كما دمّر الاجتياح الإسرائيلي بيروت الغربية، لكن رفيق الحريري، المليونير السنّي الموالي للسعودية، أعاد بناء بيروت العتيقة، وجعل أسواقها القديمة المدمّرة حاضرة حديثة مفتوحة على الميناء والبحر.
في العام 2006 ردّت إسرائيل على اندحارها عن لبنان في العام 2000، خلال مواجهة طويلة مع «حزب الله»، بتدمير الضاحية الجنوبية البيروتية، ذات الأغلبية الشيعية، لكن أعيد بناء ما تدمّر. والآن، بعد أقوى انفجار في أحواض ميناء بيروت، سيعيدون بناء بيروت من جديد، لكن شرط عملية إصلاح جذرية في الإدارة اللبنانية، وفق شروط وبرنامج البنك الدولي.
الفساد الحكومي ذو المنشأ الطوائفي ليس حديثاً في لبنان، فبعد حرب أهلية مصغرة في العام 1958، توافق اللبنانيون على انتخاب قائد الجيش، فؤاد شهاب، لإصلاح الإدارة، وصار حكمه «نهجاً شهابياً» حيث حاول تقليم أصابع «أكلة الجبنة» أو «الفروماجيست» دون كبير نجاح.
بعد الحرب الأهلية المديدة، التي استمرت 15 عاماً، توصل اللبنانيون إلى إصلاح ما يدعى في لبنان «الصيغة اللبنانية» عن طريق تحسين تقاسم الكعكة، لكن دون المساس بأساس النظام الطائفي، أي الرئاسة للموارنة، والحكومة للسنّة، والبرلمان للشيعة.. لكن الذي حصل أن «حزب الله» خضع للهيمنة الإيرانية، منذ تولّي نصر الله رئاسة الحزب، خلفاً لأمينه العام فضل الله العروبي، صديق الفلسطينيين، كما هو الحال في العراق مع خلاف وتنافس بين الشيعة العراقيين العرب، وبين الشيعة العراقيين الموالين لإيران.
كارثة الانفجار الرهيب سوف تعطي دفعة جديدة لانتفاضة 17 تشرين، التي ترفع شعار: «كلهم فاسدون». فساد سياسي مبني على فساد طوائفي، وهذا فساد إداري واقتصادي.
في لبنان، لي ثقة بالشعب العربي الأقوى على هزيمة الاحتلالات الأجنبية، وهزيمة الفساد من أساسه.
كتب الفلسطيني فتحي برقاوي: «اغتيال شعب» هذا ما حصل، أمس، في لبنان.. عقّبت: «لا.. شعب لبنان قوي». كتب «أقوياء كثر تم اغتيالهم».
الفارق بين «اغتيال شعب» و»شعب قوي» كبير.. شعبا لبنان وفلسطين يصعب حكمهما بغطاء تدخل واحتلال أجنبي.
كتب أكرم مسلّم: «المجتمعات التي لا تدفع بالتقسيط ثمن محاربة الفساد، سوف تدفعه بالجملة».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظام فاسد لشعب قوي نظام فاسد لشعب قوي



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 21:09 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 17:33 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

تتحدى من يشكك فيك وتذهب بعيداً في إنجازاتك

GMT 13:45 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

أبرز صيحات موضة بدلات ملونة بستايل عصري وجديد

GMT 13:25 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

مجموعة من مجوهرات عروس فخمة من وحي أهم النجمات

GMT 01:30 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مايكروسوفت تجعل متصفح Edge أسرع وأكثر عملية

GMT 13:00 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

طريقة إعداد حلوى "تشيز كيك اللوتس" الشهية

GMT 19:38 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

واتساب تعلن عن خاصية مشاركة المكان بشكل مباشر

GMT 22:26 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

الشباب يواصل تدريباته على ملعب الأمير خالد بن سلطان

GMT 19:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير أممي من تعرض اليمن لأكبر مجاعة يشهدها العالم

GMT 01:22 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

صيحات مميّزة للحقائب باللون الأبيض لصيف 2018

GMT 21:44 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

زياد نكد يطبع بصمة ملفتة في عالم هوت كوتور

GMT 13:51 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

توقعات ماغي فرح للأبراج في عام 2021

GMT 00:20 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 20:57 2019 الثلاثاء ,16 تموز / يوليو

"شانيل" تطلق مجموعة مجوهرات راقية جديدة

GMT 05:34 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

طحنون بن محمد يعزي بوفاة سيف عبيد المنصوري
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq