الأعزل الوحيد

الأعزل الوحيد

الأعزل الوحيد

 العراق اليوم -

الأعزل الوحيد

حسن البطل
بقلم - حسن البطل

في كل مرة رويت القصة ضحك الزملاء، وتحدّاني بعضهم أن أكتبها.. فلم أفعل، ربما عن خجل، وربما لأسباب يطول شرحها، لكن ليس من بينها الجبن عن رواية الواقعة الفريدة في الخروج الفلسطيني المشهدي، والتاريخي من بيروت.

ومن بين زهاء 15 ألف مقاتل وإداري فلسطيني (وعربي قاتل مع الفلسطينيين) كنت الكادر الوحيد الذي خرج من جحيم الحرب والحصار اللبناني.. أعزل من كل سلاح.
ليس هذا هو «عاري» الوحيد في المسألة السلاحية، بل هو العار الثاني، فأنا وحيد أسرتي الصغيرة الذي لم يطلق النار على عدو بريطاني، إسرائيلي.. أو عربي، ولكن أطلق النار الحية، من أسلحة مختلفة.. على أهداف غير حية.
فكيف خرجت أعزل من ميناء بيروت وغدوت مسلحاً في مطار لارنكا، ثم أعزل مرة أخرى، في قاعدة تبسة الجزائرية.. الصحراوية؟
بدأ خروج الأيام العشرة..، الكبير والكبيرة، يوم 21 آب، وانتهى صبيحة الأول من أيلول 1982، (يوم أعلن ريغان مبادرته)، ومع كل دفعة كانت السماء تهتز بطلقات الوداع، وبانفجارات الدمع والحناجر، بعدما اهتزت السماء والأرض طيلة أيام الحرب والحصار.
كان على جريدة «فلسطين الثورة» اليومية، أن تغطي انسحاب القوات، بانتظام الصدور حتى اليوم الأخير، وهي انتظمت في الصدور باستثناء يوم 4 آب الجهنمي، أما مجلة «فلسطين الثورة»، فقد «قُتل» عددها الـ424 تحت ركام مطبعة «الكرمل» فانضم كادرها إلى كادر الجريدة. وكان الدوام في «المقر الحربي» للجريدة اختيارياً.. لمن استطاع، ولمن جرؤ.. والغريب أنه كان أكثر انضباطاً ومواظبة من إبان السلم.
مع كل دفعة، كان الكادر ينزف.. وكانت البنادق تقلّ.. وضغط العمل يتضاعف على «آخر المنسحبين».. الحبر وفير.. الورق وفير.. والبنادق وفيرة، ثم تبخرت..!
ففي يوم الخروج، تفقدت بندقيتي في المكتب.. فلم أجدها، لا وقت للتحقيق ولا وقت لتدبير بندقية.. وهكذا، ذهبت إلى نقطة التجمع بزي عسكري جديد، أعزل.. دون أن ينتبه أحد.
قبل امتطاء ظهر السفينة القبرصية اليونانية في ميناء بيروت، إلى ميناء لارنكا، كان على المقاتلين تسليم سلاحهم ليوضع في مخزن السفينة، كثيرون خالفوا شرط الانضباط والأمان هذا.. خصوصاً أن الأعصاب ملتهبة والأعجوبة كانت أن تمرداً مسلحاً لم يحصل ضد قرار الخروج. وكان شارون يراقب خروجنا بمنظاره العسكري، كما قيل.
واكبتنا في البحر سفن عسكرية.. إيطالية وفرنسية وأميركية.. إلى مياه قبرص الإقليمية، وميناء لارنكا، ومنه إلى مطار لارنكا، حيث أقلتنا طائرات «هيركوليس» جزائرية عسكرية (أميركية الصنع) إلى صحراء الجزائر، مباشرة.
في مطار لارنكا، أعاد الجيش القبرصي البنادق التي تحفّظ عليها في ميناء لارنكا.. حيث بقي جريح مسلح هناك.. فكان لا بد لأحد أن يحمل البندقية الزائدة.. فكنت أنا. وكانت الطائرة مدججة بالبنادق إذاً، بمخازنها الملأى.. وهذه مخالفة أمان عسكرية، لكن المشقة كانت بمنع التدخين منعاً باتاً طيلة خمس ساعات ونصف الساعة.
وفي الطريق من مطار تبسّة إلى قاعدتها، جرّدني سليم بركات، فجأة، من «الكوفية» وتبرع بها لمواطن جزائري طلبها.. فوصل معظم المقاتلين دون كوفياتهم، ثم دخلوا المهاجع دون بنادقهم التي استلمها الجيش الجزائري، حسب الأصول.. إلا سليم بركات المشاغب، الذي خبأ مسدسين، وأخفاهما في القاعدة، ثم بطائرة الرئيس إلى تونس.. وتخلى عنهما عندما أمرنا بالتوجه إلى قبرص لإصدار «فلسطين الثورة» من جديد.. وبعد أقل من شهرين من توقفها، فكانت أسرع مؤسسات (م.ت.ف) في العودة إلى العمل.
وهكذا كنت الأعزل الوحيد الذي خرج من بيروت، ولكن في الجزء البحري من الخروج، أي حتى قبرص.
أما «العار الثاني» فالواقع أن جدي وإخوته، وأبي وأعمامي، وإخوتي كافة حملوا السلاح، فترك أبي أخي الكبير جريحاً وأسيراً في معركة الخروج من حصار طيرة حيفا (آخر المواقع الساحلية الفلسطينية التي سقطت)... وقاتل أخي الصغير قائداً فدائياً، ونال شرف الشهادة.
إلّاي، فقد حملت السلاح، لكن لم أطلق طلقة على هدف حي، فكان قلمي هو سلاحي.. ولا يزال.
والغريب، أن جيراني الموارنة بشارع أميركا في بيروت، كانوا يحترمون عدم ظهوري مسلحاً ويظنون أن بيتي «ترسانة».. فتركتهم يظنون، لأن الشك سلاح أيضاً.
فهل يجوز، أحياناً، أن يكون القلم أصدق إنباء؟ فقد تكلّ البندقية قبل أن يكلّ القلم..! 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأعزل الوحيد الأعزل الوحيد



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 21:09 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 17:33 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

تتحدى من يشكك فيك وتذهب بعيداً في إنجازاتك

GMT 13:45 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

أبرز صيحات موضة بدلات ملونة بستايل عصري وجديد

GMT 13:25 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

مجموعة من مجوهرات عروس فخمة من وحي أهم النجمات

GMT 01:30 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مايكروسوفت تجعل متصفح Edge أسرع وأكثر عملية

GMT 13:00 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

طريقة إعداد حلوى "تشيز كيك اللوتس" الشهية

GMT 19:38 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

واتساب تعلن عن خاصية مشاركة المكان بشكل مباشر

GMT 22:26 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

الشباب يواصل تدريباته على ملعب الأمير خالد بن سلطان

GMT 19:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير أممي من تعرض اليمن لأكبر مجاعة يشهدها العالم

GMT 01:22 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

صيحات مميّزة للحقائب باللون الأبيض لصيف 2018

GMT 21:44 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

زياد نكد يطبع بصمة ملفتة في عالم هوت كوتور

GMT 13:51 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

توقعات ماغي فرح للأبراج في عام 2021

GMT 00:20 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 20:57 2019 الثلاثاء ,16 تموز / يوليو

"شانيل" تطلق مجموعة مجوهرات راقية جديدة

GMT 05:34 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

طحنون بن محمد يعزي بوفاة سيف عبيد المنصوري

GMT 16:32 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

الفحص الطبي يكشف مدة غياب دي سوزا عن الأهلي

GMT 01:24 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

"أفضل أغنية كريسماس في العالم " ألفها الذكاء الصناعي

GMT 20:21 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

بهاء سلطان يحيي حفل رأس السنة في فندق "Le Passage Cairo"

GMT 14:41 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

أحمد كمال ينفي حذف أي مواطن من بطاقات التموين

GMT 01:23 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

داكوتا جونسون أنيقة خلال حفلة مهرجان مراكش
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq