«كيف نشفى من حُبِّ تونس»

«كيف نشفى من حُبِّ تونس» ؟

«كيف نشفى من حُبِّ تونس» ؟

 العراق اليوم -

«كيف نشفى من حُبِّ تونس»

بقلم -حسن البطل

قالها شاعرنا، بعبرات مخنوقة، في خطاب وداعه تونس بعد أوسلو، واسترجعها أحدهم في تعقيبه على «همروجة» استفزازية مصوّرة لنفر من توانسة يهود صاروا مواطنين إسرائيليين زاروا بلاد «جذورهم».
محطة تلفزيونية إسرائيلية صوّرت شريطاً من الطقش والفقش، الرقص والدربكة والهتاف في باص سياحي. هذه سابقة احتفالية خلت منها زيارات موسمية سابقة كانت بمثابة «حجيج» إلى جزيرة «جربة» موطن إقامة غالبية اليهود التوانسة.

قد نقول، ولو بطرف اللسان، إنه «لا غضاضة» أن يزور توانسة يهود صاروا إسرائيليين بلاد جذورهم الأصلية، لكن في عمق الحلق نوع من «غصة» ليس، بالذات، من هتاف ركاب الباص: عاش جيش الدفاع، عاشت تونس.. لكن من تعريج مواطنين سابقين صاروا سياحاً أجانب إلى بيت أمير الشهداء «أبو جهاد».

للشاعر كلام عن الحب، وسأختار منه قوله: هل الحبّ ما يجرح الماء أو مرض في الضباب»؟ أصيب حبّنا لتونس الخضراء بجرح في الماء ومرض في الضباب.

يحبّ الفلسطينيون تونس، ويبادلهم التوانسة الحبّ. تقريباً على منوال قول شاعر قديم للشاعر المنخل اليشكري: أحبّها وتحبّني، ويحبّ ناقتها بعيري، فأينما حلّ فلسطينيون في ترحالهم امتزجوا وتمازجوا.

حبّ الفلسطينيين لتونس (وبالعكس) لا صلة له بعشرية سنوات وقليل أمضاها فلسطينيو (م.ت.ف) في تونس، بعد خروجهم الملحمي من بيروت، بل لأن تلك البلاد كانت وتبقى إلى الآن مهد هذا «الربيع العربي» الذي مرض خريفاً وشتاءً في غير بلادٍ عربية.

الفلسطينيون اعتذروا من الكويت ومن لبنان، لكنهم يعذرون تونس الشعبية وحتى الرسمية مما أصاب تونس من «مرض في الضباب» جرّاء دعوة توانسة يهود صاروا مواطنين إسرائيليين وزاروا أرض جذورهم بجوازات إسرائيلية، ودبرت لهم ولتونس ولنا «همروجة» باص مصوّرة.

الجوهري هو أنه في حكومة ديمقراطية تونسية وزير يهودي، كما الحال في المغرب وزير ـ مستشار للملك، وربما في البحرين. كم نسبة اليهود العرب الباقين في هذه البلاد، ولماذا ليس في حكومات إسرائيل وزير فلسطيني، مع أن نسبتهم إلى سكان إسرائيل هي 20%.

لملك المغرب السابق محمد الخامس، أن يقول: المغاربة اليهود من مواطني إسرائيل هم «رعاياي»، كما قد يتصرف الرئيس الروسي بوتين إزاء «جالية» يهودية روسية في إسرائيل، منها وزراء في حكوماتها.

كان هناك في حكومة «ليكودية» وزير خارجية تونسي الأصل، هو سلفان شالوم، كانت أمه تصدع أذنيه بغناء عربي، خاصة للمطربة أم كلثوم.

بين «لا غضاضة» في حجيج إلى جزيرة جربة، وطبل وزمر ورقص في الباص، فإن «الغصّة» في الحلق هي إطلالتهم على منزل اغتيل فيه أمير الشهداء.

هل كان من بينهم جنود شاركوا في الاغتيال وتقاعدوا بعد ثلاثين سنة؟ الوزير روني الطرابلسي يحاجج بأن هذا الشق من الزيارة لم يكن مخطّطاً من جانب وزارته، وإن كان مخطّطاً من جانب من أعدّ منظّمي الزيارة الاستفزازية.

لنعترف، هناك كسر بين المطلب الفلسطيني من دول العرب: اقبلوا ما نقبله، وارفضوا ما نرفضه، وبين حالة «التطبيع» العربي الرسمي مع إسرائيل، ومعارضة الشعوب العربية لذلك. قبل الزيارة اليهودية لتونس وبعدها خصوصاً، هناك معارضة شعبية تونسية لـ «التطبيع»، وتشكل ورشة المنامة ذروة في هذا الكسر.

حصلت معي ورفاقي، بعد خروج بيروت، وقبل زمن أوسلو مفارقة أثارت دهشة أصدقاء تونسيين متعاطفين معنا، كما دهشة فتيات تونسيات يهوديات في أحد مقاهي سيدي بوسعيد الجميلة، حيث اغتيل لاحقاً أمير الشهداء. انضممنا إلى طاولة الفتيات بوصفنا ضيوفاً على تونس.

موضع «التطبيع» قبل أوسلو غيره بعدها. الفلسطينيون صاروا مجبورين على أشكال عملية من التطبيع مع إسرائيل، لكن الأشقاء غير مجبورين. مؤتمر ورشة المنامة ذروة في هذه الحالة، والسلطة كان في فمها ماء إزاء المشاركة العربية. شعارها السياسي «عدم التدخل في الشأن العربي» صحيح. لكن ماذا عن التدخل العربي في الشأن الفلسطيني.

هناك نوع من تدخل عربي ـ إقليمي، ناهيك عن الإسرائيلي في رأب الصدع الداخلي الفلسطيني، أو توسيعه من جانب إسرائيل، وهناك بلبلة فلسطينية بعد الإفطار الرمضاني في الخليل مع المستوطنين، ومشاركتهم في عرس جرى في قرية فلسطينية.

أقتبس من الأخيرة تعقيب فلسطينية ـ ألمانية هي كلوديا فاخوري ماير: «ألم تفكر الأكتاف التي حملت المستوطنين، أنها ستحمل شهيداً في يوم ما، قتلته رصاصة من حملوهم».

غادرنا مرحلة نزاع عربي ـ صهيوني، وعدنا إلى صراع فلسطيني ـ إسرائيلي، وهناك من يحاول جعله صراعاً إسلامياً ـ يهودياً كما تفعل إيران وأذرعها.

هل حقاً: العرب يحبّون فلسطين، ولا يحبّون الفلسطينيين؟ نحن لن نشفى من حبّ الشعوب العربية، ومن حبّ تونس وإن أصيبت حكومتها الديمقراطية بمرض في ضباب «التطبيع».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كيف نشفى من حُبِّ تونس» «كيف نشفى من حُبِّ تونس»



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

GMT 21:08 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:09 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

7 منتخبات في البطولة العربية للكرة الطائرة في القاهرة

GMT 17:33 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تيم حسن ينفى مشاركته في فيلم حالي لي

GMT 11:10 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

الأرصاد السعودية تُحذّر أهالي نجران من "طقسٍ سيئ"

GMT 14:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

وصول الوليد بن طلال إلى برج المملكة بعد إطلاق سراحه

GMT 01:29 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

كورسو يؤكّد أنّ “دو” تدرس دخول السوق السعودية

GMT 08:37 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

من جيوب الأغنياء لا الفقراء

GMT 06:27 2016 السبت ,03 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أوباما تغيب عن إضاءة شجرة عيد الميلاد

GMT 05:06 2017 السبت ,10 حزيران / يونيو

ناسا تكشف عن طرق لتخيل العالم الغريب

GMT 05:56 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

مونروفيا من أجمل الوجهات السياحية لقضاء وقت ممتع

GMT 23:36 2017 الأربعاء ,28 حزيران / يونيو

اصطدام فيتيل بهاميلتون يمنح ريتشاردو لقب فورمولا-1

GMT 23:29 2016 الخميس ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"العرب اليوم" يرصد أشهر خطوبات الوسط الفني التي لم تكتمل

GMT 09:35 2016 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

عمر السومة عريس في الكويت الشقيقة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq