بين كيم الجدّ والأسد الأب

بين كيم الجدّ... والأسد الأب

بين كيم الجدّ... والأسد الأب

 العراق اليوم -

بين كيم الجدّ والأسد الأب

بقلم : خير الله خير الله

هناك شبه كبير بين النظامين في كوريا الشمالية وسوريا. لذلك كان لدى حافظ الأسد إعجاب شديد بالقبضة الحديدية لكيم إيل سونغ (جدّ كيم جونغ أون).

القدرة على توريث النظام في كوريا الشمالية كما في سوريا

ليست القمة التي انعقدت بين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي ان سوى دليل آخر على أن التخلّف لا يمكن أن ينتصر على التقدّم والتطور. إنّه سقوط آخر لجدار برلين حيث تبيّن في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1989 أن ألمـانيا الشرقية لم تكن تستطيع الانتصار على ألمانيا الغربية. إنّه سقوط للفكرة التي حاول حافظ الأسد الترويج لها وفرضها منذ سبعينات القرن الماضي، الفكرة القائمة على أن سوريا-الأسد قادرة على البقاء في لبنان إلى الأبد. لم يستطع النظام الأقلّوي الذي أسّس له الأسد الأب البقاء إلى الأبد في سوريا نفسها، فكيف كان يمكن لرجل يمتلك مقدارا كبيرا من الدهاء والحنكة تصوّر أن سوريا باقية في لبنان إلى الأبد مثلما أن نظامه باق إلى الأبد؟

من قبيل الصدف السعيدة انعقاد القمة بين الكوريتين في اليوم الذي كان اللبنانيون، اللبنانيون الشرفاء طبعا، يحيون ذكرى مرور ثلاثة عشر عاما على انسحاب الجيش السوري من لبنان.

صحيح أن “حزب الله”، أي إيران، استطاع ملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب السوري. لكنّ الصحيح أيضا أنّ هذا الانسحاب حصل، وهو أمر كان يصعب على أيّ لبناني أن يصدّق أنه سيحصل في يوم من الأيّام بعدما أقام النظام السوري في البلد، عبر أجهزته وأزلامه، طوال ثلاثين عاما. لم يحرّك النظام أيّا من مواقعه العسكرية قبل اتفاق الطائف وبعده. كانت الرسالة التي أراد النظام إرسالها إلى اللبنانيين واضحة. فحوى الرسالة أن دخوله إلى لبنان عسكريا وامنيا، بضوء أخضر أميركي وإسرائيلي وعربي في العام 1976، لم يكن دخولا موقتا. دخل حافظ الأسد إلى لبنان من أجل أن يبقى النظام السوري بتركيبته الأمنية فيه، لا من أجل أن يأتي يوم يقول له اللبنانيون إن عليه أن يخرج نتيجة ارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري، أو المساهمة في تغطيتها.

هناك شبه كبير بين النظامين في كوريا الشمالية وسوريا. لذلك كان لدى حافظ الأسد إعجاب شديد بالقبضة الحديدية لكيم إيل سونغ (جدّ كيم جونغ أون). كان شعار الجدّ أنّه “الزعيم المحبوب من شعبه” ومخترع نظرية “زوتشيه” التي تقوم على الاكتفاء الذاتي ورفض النظريات التي كان يروج لها الاتحاد السوفياتي. كان كيم المؤسس يؤمن بأن المهمّ تحقيق الاكتفاء الذاتي، حتّى لو كان معنى ذلك تجويع الشعب. وهذا ما حصل بالفعل في بلده الذي اضطر إلى الاستسلام نهائيا لمنطق التاريخ.

لعلّ أكثر ما جعل حافظ الأسد يعجب بكيم الجدّ تلك القدرة على التوريث في نظام يعتبر، أقلّه من الناحية النظرية، نظاما جمهوريا. بعد وفاة الأسد الأب، استطاع النظام السوري الإتيان بابنه رئيسا للجمهورية. حصل ذلك بسهولة، تماما كما حصل في كوريا الشمالية حيث خلف كيم إيل جونغ والده إثر وفاته في العام 1994، وكان حافظ الأسد لا يزال وقتذاك حيّا يرزق ويفكر في كيفية إقامة جمهورية على أساس التوريث. لا حاجة إلى التذكير بأنه أعدَّ ابنه باسل ليكون خليفته، لكن باسل قُتل في حادث سيارة. فرض ذلك البحث عن وريث جديد من العائلة. وهذا ليس سرّا عسكريا.

لعلّ أكثر ما جعل حافظ الأسد يعجب بكيم الجدّ تلك القدرة على التوريث في نظام يعتبر، أقلّه من الناحية النظرية، نظاما جمهوريا

تشير القمّة الكورية – الكورية إلى أن النظام في كوريا الشمالية وجد نفسه عند مفترق. وجد نفسه في نهاية المطاف في طريق مسدود. نجح هذا النظام في جعل التوريث قاعدة ثابتة بعدما خلف كيم جونغ أون والده كيم جونغ إيل في 2011. تبيّن مع مرور الوقت أن الشعب في كوريا الشمالية لا يستطيع أن يأكل صواريخ باليتسية ولا قنابل نووية، ولا أن يعتاش من التجارة بتكنولوجيا الصواريخ التي تحتاج إليها دولة مثل إيران.

لعلّ أهم ما أسفرت عنه القمة بين الكوريتين، وهي تمهيد لقمّة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي يتوقع أن تنعقد الشهر المقبل، اتفاق على تجريد شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي. سيطرح ذلك سؤالا بديهيا وهو هل في استطاعة نظام مثل النظام الكوري الشمالي العيش من دون امتلاك القدرة على ممارسة الابتزاز؟

تمثل تلك القدرة على ممارسة الابتزاز وجه شبه آخر، لكنه ليس الأخير بين النظام الذي أقامه حافظ الأسد وذلك الذي أقامه كيم إيل سونغ. قامت كل سياسة النظام الأقلّوي في سوريا على الابتزاز. كان هذا النظام الإرهابي الأول في المنطقة. سعى في الوقت ذاته إلى لعب دور الحريص على مكافحة الإرهاب والشريك في الحرب على الإرهاب الذي صنعه بنفسه. من أهمّ ما تميّز به النظام السوري تلك العبقرية المتمثلة في صنع منظمات إرهابية وإدارتها بما يخدم مصالحه، ثمّ التخلص منها عندما يجد ذلك مناسبا.

لا حاجة إلى تعداد ما فعله النظام السوري في لبنان أو على الصعيد العربي. كانت لعبة الابتزاز اللعبة المفضلة لدى حافظ الأسد، وهي لعبة انتقلت إلى وريثه الذي لم يحسن الوصول بالأداء إلى المستوى الذي امتلكه والده. تعطي الطريقة التي تعاطى بها بشّار مع المملكة العربية السعودية ومع لبنان فكرة حقيقية عن سوء أدائه، وعن عدم اكتشافه باكرا أن عليه تفادي التحوّل إلى تابع لإيران بنسبة مئة في المئة.

من سقوط جدار برلين، إلى خروج الجيش السوري من لبنان، إلى القمة الكورية – الكورية، ثمّة درس لا يمكن إلا أن يبقى عالقا في الأذهان. ملخّص هذا الدرس أن الشعوب المقهورة تبحث عن نموذج تنتمي إليه. هناك نموذج واحد في العالم يصلح لتلبية مطالب الشعوب. هذا النموذج هو الحرّية والسوق الحرّة. من دون حرّية وسوق حرّة كانت ألمانيا الشرقية دولة متخلفة. من دون تداول سلمي للسلطة في ظل مؤسسات محترمة صار الفارق شاسعا بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. في كوريا الشمالية شعب جائع وفي كوريا الجنوبية اقتصاد بين الأوائل في العالم على الرغم من عدم امتلاك البلد لأي موارد طبيعية تذكر.

لم يكن في استطاعة كيم جونغ أون سوى الاستسلام لمنطق التاريخ وللواقع والحقائق وإن في ظلّ ما يحفظ له ماء الوجه. هل ينقذ الاستسلام للواقع وللغة الأرقام نظامه؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بحدّة بعد اكتشافه أن الشعب لا يأكل تكنولوجيا الصواريخ ولا الصواريخ نفسها، مثلما لا تسدّ جوعه القنابل النووية.

لم تسدّ جوع الإيرانيين والسوريين شعارات “محور المانعة” وإتقان ممارسة لعبة الابتزاز، مهما بلغت درجة البراعة في ممارسة هذه اللعبة. هل تستطيع إيران الاستسلام بعدما تبيّن أن اقتصادها لا يتحمّل مشروعها التـوسعي، خصوصا بعـدما صار العراق بلدا مفلسا ليس فيه ما تنهبه منه؟ هل خيار الاستسلام لا يزال متاحا أمام النظام السوري… أم كلّ ما يستطيع عمله هو استكمال الدور المرسوم له، وهو دور لن ينتهي إلا في اليوم الذي تنتهي فيه سوريا؟

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين كيم الجدّ والأسد الأب بين كيم الجدّ والأسد الأب



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

GMT 09:45 2021 السبت ,20 شباط / فبراير

سياحة إفتراضية على متن مركب شراعي في أسوان

GMT 20:47 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 21:28 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 22:02 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 15:16 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

لا رغبة لك في مضايقة الآخرين

GMT 11:00 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

حفل توقيع المجموعة القصصية "عود بخور" بمكتبة "ألف"

GMT 09:51 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

تفاصيل " المندرة " عمل مسرحي عن "كورونا"

GMT 12:06 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

"الغارديان" تكشف عن وقائع الاغتصاب في سجن أبو غريب

GMT 04:41 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

ريهانا تثير الجدل مجددًا بإطلالة غريبة تظهر رشاقتها

GMT 06:19 2017 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

هديل العزاوي تنصح الفتيات بالخروج دون "ميك آب"

GMT 08:42 2017 الجمعة ,27 كانون الثاني / يناير

استمتع بقضاء شهر عسل في مدينة التسلية والتسوق ميامي

GMT 22:30 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

قصات شعر للوجه المثلّث..

GMT 06:50 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

عواصف شتوية عاتية تضرب خمسة ولايات أميركية الأحد

GMT 17:58 2019 الأحد ,06 كانون الثاني / يناير

منتخب يد تونس يهزم اليابان في بطولة يالو كاب السويسرية

GMT 15:14 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

7 علامات من السنّة تعرف بها "ليلة القدر"
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq