كارثة عدن بعدما غادرها الاستعمار

كارثة عدن بعدما غادرها الاستعمار

كارثة عدن بعدما غادرها الاستعمار

 العراق اليوم -

كارثة عدن بعدما غادرها الاستعمار

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

كان السلطان قابوس في مطلع الستينات يذهب إلى عدن كي ينتقل منها إلى بريطانيا حيث كان يتابع دراسته، وكان يقول إنّ حلمه تحويل مسقط إلى مدينة تشبه عدن. أين مسقط الآن وأين عدن؟

من حقّ اليمنيين، خصوصا أهل الجنوب، الاحتفال بالذكرى الـ57 لما يسمونه “ثورة 14 أكتوبر” 1963، تاريخ بدء التحرّك الشعبي المسلّح للتخلّص من الاستعمار البريطاني الذي استمر طويلا. توّج التحرك المسلّح بنيل الجنوب استقلاله في الثلاثين من تشرين الثاني – نوفمبر 1967.

لا شكّ أن ما ساهم في بدء التحرّك الذي شهده اليمن الجنوبي، انطلاقا من جبال ردفان، كان ما حدث في الشمال اليمني قبل ذلك بسنة وشهر عندما أطاح ضبّاط في الجيش اليمني بالحكم الإمامي. بعد “ثورة 26 سبتمبر”، التي دعمها جمال عبدالناصر فور قيامها، هاج الجنوب وماج. حصل ذلك في وقت كانت بريطانيا بدأت تعدّ نفسها للانسحاب من كلّ المنطقة إثر اكتشافها في العام 1956، خصوصا بعد فشل حملة السويس التي تلت تأميم مصر للقناة، أن إمبراطوريتها على شفا الانهيار الكامل وأن وضع القوّة العظمى الذي كانت تتمتع به إلى زوال.

لم تعد بريطانيا التي خسرت الهند في العام 1949 قادرة على المحافظة على مستعمراتها. من يخسر الهند لا بدّ أن يخسر ما هو مرتبط أساسا بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بما في ذلك ميناء عدن الذي فقد كلّ أهمّيته إثر حرب الأيّام الستّة في حزيران – يونيو 1967 وإغلاق قناة السويس. أدّى إغلاق القناة عمليا إلى شبه موت لميناء عدن الذي كان ثالث أهمّ ميناء في العالم بسبب موقعه الاستراتيجي ومياهه العميقة.

اليمن

لا يمكن الاستخفاف بالتضحيات التي قدّمها أهل الجنوب اليمني للتخلّص من الاستعمار البريطاني، لكن لا يمكن في الوقت ذاته تجاهل أنّ بريطانيا لم تكن مستعدة للبقاء طويلا في تلك المنطقة لأسباب خاصة بها تعود إلى تقلّص إمكاناتها الذاتية إلى حدّ بعيد. صارت بريطانيا دولة فقيرة وكان لا بدّ من وصول مارغريت تاتشر إلى السلطة في العام 1979 كي يستعيد الاقتصاد البريطاني حيويته. استعادها في ظلّ ظروف ومعطيات مختلفة عن الماضي وكلّ البعد عن أحلام الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

من يستمع إلى القصائد المتبادلة بين قياديين يمنيين وإلى خطب هؤلاء في ذكرى “ثورة 14 أكتوبر”، خصوصا كلام الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي عن “دعوة الجميع إلى تحمّل مسؤولياتهم” يصاب بالاكتئاب. يكتشف المرء للأسف الشديد أنّ شيئا لم يتغيّر في اليمن، لا في شماله ولا في جنوبه من حيث غياب التعاطي مع الواقع بدل العيش في الأوهام. نسي الرئيس الانتقالي الذي يمثّل ما يسمّى “الشرعية” أنّه لا يستطيع الذهاب لا إلى عدن ولا إلى صنعاء ولا إلى مسقط رأسه في محافظة أبين الجنوبية حيث كان يعمل قبل الاستقلال مرافقا شخصيا للضابط البريطاني المسؤول عن الاتصالات السياسية في المحافظة.

أسوأ ما في الأمر غياب تلك القدرة على القيام بعملية مراجعة والاقتناع بأن كارثة حلّت باليمن الجنوبي منذ الاستقلال. هناك مشهد لا يغيب عن البال، هو ذلك الذي رواه الذين كانوا يعرفون السلطان قابوس، سلطان عُمان الراحل. كان السلطان في مطلع ستينات القرن الماضي يذهب إلى عدن كي ينتقل منها إلى بريطانيا حيث كان يتابع دراسته. كان يقول إنّ حلمه تحويل مسقط إلى مدينة تشبه عدن. أين مسقط الآن وأين عدن؟

ماذا فعل الاستقلال باليمن الجنوبي؟ الجواب فشل ليس بعده فشل. يرفض الذين حكموا الجنوب بعد الاستقلال الاعتراف بأن تاريخ البلد طوال ثلاثة وعشرين عاما، أي بين 1967 و1990 تاريخ تحقيق الوحدة مع الشمال، لم يكن سوى سلسلة من الحروب الأهلية سبقها التخلّص من كلّ الأنتلجنسيا اليمنية، من تجار ومثقفين وسياسيين ناجحين يعرفون المنطقة والعالم ومنفتحون عليه.

حقّق النظام اليمني الذي شهد اقتتالا بين فترة وأخرى بين الرفاق نجاحا منقطع النظير في تخليص اليمن الجنوبي من النخبة الناجحة فيه، بما في ذلك يهود عدن والتجار الهنود الذين انتقلوا إلى أماكن أخرى قريبة من بينها كينيا. لم يعد هناك مجال سوى لأشباه مثقفين كانوا يؤمنون بجمال عبدالناصر في البداية ثم أصبحوا ماركسيين في مجتمع قبلي!

كان يوجد في اليمن الجنوبي بكل بساطة نظام، لم يستوعب القيّمون عليه أهمّية المحافظة على إرث الاستعمار البريطاني وتطويره نحو الأفضل. نسي هؤلاء أنّ لا قيمة لبلد أراد أن يكون مجرّد موطئ قدم للاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة، فصار بعد ذلك موطئ قدم لـ”القاعدة” التي نسفت المدمرة “كول” في ميناء عدن في السنة 2000 أيّام الوحدة اليمنية التي شهدت تدهورا على كلّ صعيد في كلّ المحافظات الجنوبية، خصوصا بعد حرب 1994 عندما اجتاحت ميليشيات الإخوان المسلمين الجنوب.

اليمن

أين كان اليمن الجنوبي وأين صار؟ لا يتحمّل الاستعمار البريطاني أيّ مسؤولية في ذلك. ترك الاستعمار البريطاني إرثا كان يمكن البناء عليه. للتذكير فقط، إنّ المحطة الكهربائية الأولى في شبه الجزيرة العربية كانت في عدن وقد افتتحت في العام 1926. أمّا أوّل نادٍ لكرة المضرب، فقد تأسس في عدن في السنة 1901. نعم 1901.

كان على كلّ يمني يريد أن يصبح غنيّا الذهاب إلى عدن التي كانت رمزا للازدهار. لعلّ أهل تعز أكثر من يعرف ذلك. كان هؤلاء يعرفون أيضا أن شركات بناء لبنانية مثل “كات” وفلسطينية مثل “سي.سي.سي” كانت تعمل انطلاقا من عدن. كانت عدن إحدى أهمّ المدن العربية. قضت الشعارات الثورية الفارغة والمبادئ الماركسية على عدن وعلى ما كان يمكن أن يخلق بلدا قابلا للحياة في اليمن الجنوبي.

لا حاجة إلى تكرار أن النظام في اليمن الجنوبي انتهى مع نهاية الاتحاد السوفييتي، بل كان مؤشرا إلى نهاية الاتحاد السوفييتي، عندما حصل انفجار 13 كانون الثاني – يناير 1986. المخيف الآن أنّ الجهل يعمّ اليمن كلّه، شماله وجنوبه ووسطه. أخطر ما في الأمر أن ليس هناك من يريد أن يسأل نفسه سؤالا في غاية البساطة: ما هي مسؤولية اليمنيين في ما يتعلّق بما حلّ ببلدهم؟ على العكس من ذلك، هناك هرب إلى الأمام لا يدلّ عليه سوى التمجيد بـ”ثورة 14 أكتوبر” بدل تذكّر الكارثة التي حلت بعدن وغير عدن يوم غادرها البريطانيون إلى غير رجعة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كارثة عدن بعدما غادرها الاستعمار كارثة عدن بعدما غادرها الاستعمار



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 07:49 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ريتا أورا تحتفل بألبومها الثاني الذي ينتظره الجميع

GMT 15:03 2020 الإثنين ,18 أيار / مايو

فساتين خطوبة مطرزة لإطلالة إستثنائية فخمة

GMT 04:09 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يعثرون على أصغر كوكب خارج المجموعة الشمسية

GMT 00:55 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فؤاد قرفي يكشف عن مجموعته الجديدة من الأزياء

GMT 00:26 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

أجمل معاطف كيت ميدلتون موضة 2021 لمناسبة عيد ميلادها

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

البنك المركزي يصدر تعميم جديد يحدد سعر الصرف

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

تعرف على أسعار سيارات نيسان "بيك أب" بعد زيادة يونيو

GMT 08:09 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 08:53 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

"سيلفرمين" في السويد يعد من أغرب فنادق العالم

GMT 00:36 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

سارة سيد تكشف عن مميزات السياحة في ألمانيا

GMT 18:21 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

أحمد فهمي يتقدم بطلب الزواج من الفنانة رانيا يوسف

GMT 15:43 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

قوات الشرطة تحبط محاولة تفجير في مدينة العريش الثلاثاء

GMT 12:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لعبة MOBA الجديدة Mobile Legends متوفرة الآن على الهواتف الذكية

GMT 02:49 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر ضمن أفضل 10 دول في حجم القوات البحرية

GMT 03:49 2013 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

الشمس تقلل فرص الإصابة بالروماتويد

GMT 01:40 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مارتن لاف يكشف أبرز مزايا سيارة "إكس-ترايل" الجديدة

GMT 09:16 2013 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

الفراعنة أول من عرفوا السلم الموسيقي

GMT 16:11 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

التليفزيون المصري يعرض المسلسل النادر "مبروك جالك ولد"

GMT 08:33 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

صور لمناطق صينية غير مأهولة بالسكان تبدو كمدينة الأشباح
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq