طموحات أردوغان… مغامرات لا أفق لها

طموحات أردوغان… مغامرات لا أفق لها

طموحات أردوغان… مغامرات لا أفق لها

 العراق اليوم -

طموحات أردوغان… مغامرات لا أفق لها

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

لا يمكن لتركيا إلّا أن تستعيد حجمها الحقيقي ودورها الطبيعي في المنطقة بعيدا عن الأوهام التي جعلت أردوغان يطمح إلى بلوغ ليبيا مستخدما مرتزقة سوريين ومعتمدا على الخلافات الأوروبية – الأوروبية.

هناك سؤال يطرح نفسه بحدّة في هذه الأيّام: ما الذي جعل تركيا تقدم على تصرفات غير طبيعية وتحوّل نفسها إلى طرف تتسم سياسته بالعدوانية في كلّ مكان في المنطقة وحتّى مع الدول الأوروبية؟

كان في استطاعة تركيا اعتماد سياسة “صفر مشاكل” مع  محيطها، بما في ذلك اليونان، كما كان يقول وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو، بدل أن تكون شبيهة بإيران، أي بدولة تبحث عن المشاكل خارج حدودها. لعلّ آخر دليل على العدوانية التركية التحرّش بالعراق، وهو تحرّش أدّى إلى توتر، لا مبرّر له، في العلاقة بين البلدين بعد قتل الجهات العسكرية التركية ضابطين عراقيين كبيرين أحدهما برتبة عميد والآخر برتبة عقيد.

كان في استطاعة تركيا أن تكون حكما في منطقة في حاجة إلى مرجعية عاقلة، بعيدة كلّ البعد عن التهوّر قبل أي شيء آخر.

يكمن الجواب الذي يفسّر كل هذه العدوانية، في أن تركيا تحوّلت إلى رجل المنطقة المريض، تماما كما كانت عليه الدولة العثمانية في المرحلة التي سبقت انهيارها في بداية عشرينات القرن الماضي. من أوصل تركيا إلى ما وصلت إليه شخص اسمه رجب طيّب أردوغان أخذ على عاتقه الترويج لمشروع الإخوان المسلمين بدل السير في طريق الاعتدال والتعقّل بعيدا عن أوهام لا يمكن إلّا أن تبقى أوهاما.

لا يمكن لتطلعات أردوغان وطموحاته، إذا وضعنا جانبا التدخل التركي في سوريا، أن تكون أكثر من سلسلة من المغامرات التي لا أفق لها. هذا يعود بكل بساطة إلى سبب واحد. لا تمتلك تركيا القاعدة الاقتصادية التي تسمح لها بلعب دور يفوق حجمها وذلك على الرغم من كلّ الدعم المالي القطري الذي لا يمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية.

لعب الموقع الجغرافي دورا في تمكين تركيا، طوال سنوات الحرب الباردة، من لعب دور رأس الحربة في الدفاع عن المصالح الغربية في المنطقة. كانت تركيا، عضو حلف الأطلسي، قوة ردع في مواجهة الاتحاد السوفياتي على غير جبهة. من يتذكّر أنّ سحب الصواريخ الأميركية من تركيا كان جزءا من التسوية التي أدت إلى تسوية بين موسكو وواشنطن سببتها الصواريخ السوفياتية الموجودة في كوبا خريف العام 1962؟

كان سحب الصواريخ الأميركية من تركيا عاملا أدّى إلى تراجع الاتحاد السوفياتي الذي سحب صواريخه من كوبا. في الواقع، جاء سحب الصواريخ الأميركية من تركيا بمثابة إنقاذ لماء الوجه للكرملين في وقت ساد العالم خوف من حرب نووية كاد يتسبب بها قرار الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف القاضي بنقل صواريخ سوفياتية سرّا إلى كوبا كي تكون على بعد نحو 120  كيلومترا من الأراضي الأميركية.

هذا لا يبرر لعب تركيا في السنة 2020 دورا يفوق حجمها وتجاوزها لحدود معيّنة، وصلت إلى ليبيا ونفطها والتحرش بالعراق المنشغل بإيجاد حلول لمشاكله الداخلية الكثيرة. فالعراق في ظلّ حكومة مصطفى الكاظمي وضع مصالحه فوق أي مصلحة أخرى ورفع شعار “العراق أوّلا”.

ترفض تركيا، في الواقع، التعلّم من تجربة  فشل المشروع التوسّعي الإيراني الذي في أساسه الهروب المستمر إلى خارج حدود “الجمهورية الإسلامية” التي أسّسها آية الله الخميني في العام 1979 من أجل التغطية على الفشل الداخلي على كلّ صعيد.

لعبت تركيا دورا مهمّا على غير صعيد إبان الحرب الباردة. الأهمّ من ذلك كلّه، أنّها استطاعت لاحقا التصالح مع نفسها في مرحلة معيّنة والقيام بإصلاحات داخلية في العمق أعادت الحيوية إلى اقتصادها. بدأت الإصلاحات في عهد تورغوت أوزال وصولا إلى عهد رجب طيّب أردوغان الذي بشّر في بدايته بالخير، على العكس من نهايته التي جعلت من تركيا رأس حربة للمشروع الإخواني، وهو مشروع لا يمتلك أي مقوّمات تسمح ببناء دولة حديثة.

ليس في هذا المشروع الإخواني، الذي كاد يقضي على مصر لولا الثورة الشعبية في حزيران – يونيو 2013، سوى شبق ليس بعده شبق إلى السلطة. الدليل على ذلك ما آل إليه السودان في عهد الإخوان، بين 1989 و2019 وما تعانيه غزّة التي سقطت في شركهم صيف العام 2007 وباتت سجنا كبيرا، بلا سقف، لأهلها. زايد أردوغان في غزّة. ماذا كانت نتيجة مزايداته غير أنّ الحصار الإسرائيلي مستمرّ ولا أحد يهتمّ بما يفعله؟

من بلد كان في استطاعته أن يكون نموذجا للتطور في المنطقة، سياسيا واقتصاديا وحضاريا وأرضا للتسامح في ظلّ إسلام معتدل، تحوّلت تركيا بسبب رجل واحد إلى حالة مرضية. سارت تركيا في عهد رجب طيب أردوغان في اتجاه التحوّل إلى نظام متخلّف آخر في إحدى دول العالم الثالث. صارت تركيا دولة يتحكّم بها شخص واحد في جيبه كلّ مفاتيح السلطة. لم يعد في تركيا – رجب طيب أردوغان من مكان سوى للموظف المطيع الذي يضع نفسه في خدمة رئيس الجمهورية الذي انفض عنه كلّ شركائه السابقين في حزب التنمية والعدالة مثل عبدالله غول أو أحمد داود أوغلو الذي أسس حزبا جديدا.

وضع رجب طيب أردوغان تركيا في خدمة المشروع الإخواني. وجد لنفسه تغطية ذات طابع شعبوي من نوع الدعوة إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية… أو تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بما يشكل انقلابا على المبادئ التي قامت عليها جمهورية أتاتورك.

عاجلا أم آجلا، لا يمكن لتركيا إلّا أن تستعيد حجمها الحقيقي ودورها الطبيعي في المنطقة بعيدا عن الأوهام التي جعلت أردوغان يطمح إلى بلوغ ليبيا مستخدما مرتزقة سوريين ومعتمدا على الخلافات الأوروبية – الأوروبية، خصوصا بين فرنسا وإيطاليا.

ما نراه اليوم هو استعادة تركية لتجربة فاشلة اسمها إيران ما بعد 1979. يمكن لهذه التجربة أن تدمّر وتخرّب، لكنها لا يمكنها البناء. ما يبعث على الأمل في استعادة تركيا دورا أكثر عقلانية أنّ مشكلتها الحالية هي مشكلة رجل يعتقد أنّ تصدير الأزمات الداخلية إلى خارج الحدود التركية يحلّ له مشاكله الداخلية، بما في ذلك داخل حزبه. لو كان ذلك ممكنا لما كان الاتحاد السوفياتي انهار في بداية 1992 ولما كانت إيران تتخبط منذ أربعين عاما في أزمة جعلت أكثر من نصف شعبها يعيش تحت خط الفقر…

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طموحات أردوغان… مغامرات لا أفق لها طموحات أردوغان… مغامرات لا أفق لها



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 07:49 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ريتا أورا تحتفل بألبومها الثاني الذي ينتظره الجميع

GMT 15:03 2020 الإثنين ,18 أيار / مايو

فساتين خطوبة مطرزة لإطلالة إستثنائية فخمة

GMT 04:09 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يعثرون على أصغر كوكب خارج المجموعة الشمسية

GMT 00:55 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فؤاد قرفي يكشف عن مجموعته الجديدة من الأزياء

GMT 00:26 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

أجمل معاطف كيت ميدلتون موضة 2021 لمناسبة عيد ميلادها

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

البنك المركزي يصدر تعميم جديد يحدد سعر الصرف

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

تعرف على أسعار سيارات نيسان "بيك أب" بعد زيادة يونيو

GMT 08:09 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 08:53 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

"سيلفرمين" في السويد يعد من أغرب فنادق العالم

GMT 00:36 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

سارة سيد تكشف عن مميزات السياحة في ألمانيا

GMT 18:21 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

أحمد فهمي يتقدم بطلب الزواج من الفنانة رانيا يوسف

GMT 15:43 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

قوات الشرطة تحبط محاولة تفجير في مدينة العريش الثلاثاء

GMT 12:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لعبة MOBA الجديدة Mobile Legends متوفرة الآن على الهواتف الذكية

GMT 02:49 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر ضمن أفضل 10 دول في حجم القوات البحرية
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq