وهم الشرعية في سوريا

وهم الشرعية في سوريا

وهم الشرعية في سوريا

 العراق اليوم -

وهم الشرعية في سوريا

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

لا يعي النظام السوري أن تركيا لم تدخل الأراضي السورية كي تخرج منها. تركيا موجودة في شمال سوريا وستتمدد أكثر في المستقبل، لا شيء سيمنعها من ذلك في ظل غطاء روسي وأميركي.

ليست الانتخابات التشريعية السورية التي أجريت يوم الأحد الواقع فيه 19 تموز – يوليو 2020، سوى محاولة فاشلة أخرى لنظام في بحث مستمرّ عن شرعيّة له. كان لافتا إصرار النظام على الانتخابات، التي أجلّها مرّتين، على الرغم من الانتشار السريع لوباء كورونا.

لم يأبه النظام لخطورة الوباء الذي بدأ يفتك بالسوريين الذين يتوسلون الأطباء عدم الإبلاغ عن حالهم في حال اكتشاف أنّهم مصابون بذلك الفايروس. هذا يعود بكل بساطة إلى أن لا مستشفيات لائقة في سوريا تستطيع معالجة مرضى كورونا. مصير أي مواطن سوري عادي يُكتشف  أن لديه كورونا هو الرمي بالقوّة في هنغار بعيدا عن الناس وتركه لمصيره مع آخرين مثله.

تعتبر هذه التصرفات بمثابة تصرّفات عادية وطبيعية لنظام لا يعترف سوى بلغة واحدة هي إلغاء الآخر. كيف لبلد مثل سوريا فيه آلاف الأطباء من خيرة أطباء العالم ألّا يمتلك بنية تحتية طبّية مثله مثل أي بلد في المنطقة، مثل الأردن على سبيل المثال. لا يمتلك الأردن أي ثروات طبيعية تقارن بما تملكه سوريا، لكنّه استطاع، بسبب بعد نظر الملك حسين ثم بسبب الملك عبدالله الثاني، بناء نظام صحّي من بين الأفضل في المنطقة. في النهاية، كان على فاروق الشرع ووليد المعلّم المجيء إلى لبنان، إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت بالذات، عند تعرّض كلّ منهما لأزمة قلبية في مرحلة معيّنة. الأوّل في عهد حافظ الأسد والآخر في عهد بشّار الأسد…

لم يعد النظام السوري يصلح لأيّ مهمّة من أيّ نوع بعدما صار الشمال تركيا في معظمه والجولان إسرائيليا والساحل روسيا. سيشقّ ممرّ يربط دمشق بالساحل السوري تفاديا لحصول مجزرة للعلويين

إنّه نظام يعتقد أنّ سوريا ملك له والسوريين عبيد لديه. الأهم من ذلك كلّه، يعتبر أن لا شيء تغيّر في سوريا وأن المواطنين على استعداد منذ الآن إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع في السنة 2021 لانتخاب بشّار الأسد لولاية أخرى تمهيدا لانتخاب نجله الأكبر حافظ بشّار الأسد رئيسا في يوم من الأيّام!

أضاع العقل الذي أصرّ على إجراء انتخابات نيابية قبل أيّام قليلة كلّ فرصة تصبّ في إنقاذ سوريا وعودتها دولة طبيعية ضمن حدودها المعترف بها. يصعب العثور على شبيه لهذا العقل الذي يرفض الاعتراف بأنّ سوريا التي عرفناها انتهت وأنّ الاحتلالات الخمسة الموجودة حاليا وجدت كي يبقى قسم منها. سيبقى في أقلّ تقدير ثلاثة احتلالات. عاجلا أم آجلا، لن يجد الإيراني مجالا أمامه سوى الانسحاب من سوريا، فيما سيجد الأميركي طريقة للانسحاب بالتفاهم مع الروسي والتركي. لا تزال الإدارة الأميركية، التي يسيطر جيشها على قسم مهمّ من سوريا فيه النفط والغاز والمياه والأراضي الزراعية، أي ثروات البلد، مصرّة على الانسحاب قريبا من سوريا، في حال توفّرت الظروف التي تسمح بذلك.

سيبقى إذا التركي والروسي والإسرائيلي الذي لا يزال يراهن على بشّار الأسد من أجل استكمال تفتيت سوريا. كلّ ما يسعى إليه الإسرائيلي في الوقت الحاضر هو المحافظة على النظام القائم، نظرا إلى أنّ هناك مهمّة لدى بشّار الانتهاء منها. سيعمل على طريقته على التخلّص من الوجود الإيراني في هذا البلد. يحصل ذلك بالتفاهم مع الأميركي والروسي وحتّى مع التركي الذي يرفض الاعتراف بأنّه حسّن علاقاته مع إسرائيل إلى حد بعيد.

لا يعي النظام السوري أنّ تركيا لم تدخل الأراضي السورية كي تخرج منها يوما. تركيا موجودة في شمال سوريا وستتمدد أكثر في المستقبل القريب. لا شيء سيمنعها من ذلك في ظلّ غطاء روسي وأميركي. دخلت تركيا إلى قبرص صيف العام 1974. لا تزال تحتل قسما من الجزيرة منذ 46 عاما، فيما إسرائيل في الجولان منذ 1967 أي منذ 53 عاما… أي ما يزيد على نصف قرن!

الأكيد أن روسيا التي وقعت اتفاقات بعيدة المدى وافق عليها مجلس النواب السوري لن تتخلّى عن الساحل قريبا. صار الوجود الروسي على الساحل السوري جزءا لا يتجزّأ من تركيبة الدولة الروسية التي استعادت شبه جزيرة القرم قبل سنوات قليلة.

إنّه نظام يعتقد أنّ سوريا ملك له والسوريين عبيد لديه. الأهم من ذلك كلّه، يعتبر أن لا شيء تغيّر في سوريا وأن المواطنين على استعداد منذ الآن إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع في السنة 2021 لانتخاب بشّار الأسد لولاية أخرى

بدل التلهي بانتخابات من نوع تلك التي أجريت في 19 تموز – يوليو، يفترض في النظام السوري التفكير في إنقاذ ما بقي من البلد. لم تتعدّ نسبة المشاركة في الانتخابات العشرة في المئة، على الرغم من كل الضغوط التي مورست على المواطنين، بما في ذلك طلّاب الجامعات. هناك مرحلة من تاريخ سوريا طويت. إنّها مرحلة النظام الأقلّوي الذي نشأ عمليا في الثالث والعشرين من شباط – فبراير 1966 لدى استيلاء الضباط العلويين على السلطة. لا يزال النظام السوري يبحث منذ ذلك التاريخ عن شرعية مفقودة أصلا. فسوريا منذ الثامن من آذار – مارس 1963، أي منذ نهاية ما سمّي عهد الانفصال الذي شكّل فرصة لعودة سوريا دولة ديمقراطية، تنتقل من سيء إلى ما هو أسوأ وصولا إلى عهد بشّار الأسد. لا يشبه النظام السوري، الذي جعل من بشّار الأسد وريثا لوالده، سوى النظام في كوريا الشمالية. حمت الحرب الباردة هذا النظام طويلا. حمته الصين لأسباب خاصة بها مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة… هل ستستطيع الصين حماية النظام السوري يوم ستتخلّى عنه إسرائيل؟

من سيستمر في حماية النظام السوري الذي استطاع منذ تسليم الجولان في العام 1967 إيجاد راع إسرائيلي له؟ الأكيد أن الانتخابات النيابية لن تساعد في إيجاد راع جديد. عاجلا أم آجلا سترفع إسرائيل يدها بعدما ستصبح متأكدة من أنه لن تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام.

هناك أنظمة انتهت صلاحيتها. لم يعد النظام السوري يصلح لأيّ مهمّة من أيّ نوع بعدما صار الشمال تركيا في معظمه والجولان إسرائيليا والساحل روسيا. سيشقّ ممرّ يربط دمشق بالساحل السوري تفاديا لحصول مجزرة للعلويين الذين انتقلوا إلى العاصمة السورية والمناطق المحيطة بها. هذا ليس وقت انتخابات نيابية. هذا وقت التفكير في الصيغة التي ستستقرّ عندها سوريا حيث افتقد بشّار الأسد حنكة والده ودخل في رهان خاسر على إيران أوصله إلى تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري التي أخرجته من لبنان. من يرتكب خطأ مثل خطأ المشاركة في جريمة اغتيال رفيق الحريري… أو تغطيتها، لا تنقذه انتخابات من أي نوع. سيبقى يبحث لاهثا عن شرعية مفقودة أصلا. إنّ البحث عن مثل هذه الشرعية هو مثل البحث عن وهم لا أكثر ولا أقلّ.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وهم الشرعية في سوريا وهم الشرعية في سوريا



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 07:49 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ريتا أورا تحتفل بألبومها الثاني الذي ينتظره الجميع

GMT 15:03 2020 الإثنين ,18 أيار / مايو

فساتين خطوبة مطرزة لإطلالة إستثنائية فخمة

GMT 04:09 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يعثرون على أصغر كوكب خارج المجموعة الشمسية

GMT 00:55 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فؤاد قرفي يكشف عن مجموعته الجديدة من الأزياء

GMT 00:26 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

أجمل معاطف كيت ميدلتون موضة 2021 لمناسبة عيد ميلادها

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

البنك المركزي يصدر تعميم جديد يحدد سعر الصرف

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

تعرف على أسعار سيارات نيسان "بيك أب" بعد زيادة يونيو

GMT 08:09 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 08:53 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

"سيلفرمين" في السويد يعد من أغرب فنادق العالم

GMT 00:36 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

سارة سيد تكشف عن مميزات السياحة في ألمانيا

GMT 18:21 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

أحمد فهمي يتقدم بطلب الزواج من الفنانة رانيا يوسف

GMT 15:43 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

قوات الشرطة تحبط محاولة تفجير في مدينة العريش الثلاثاء

GMT 12:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لعبة MOBA الجديدة Mobile Legends متوفرة الآن على الهواتف الذكية

GMT 02:49 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر ضمن أفضل 10 دول في حجم القوات البحرية

GMT 03:49 2013 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

الشمس تقلل فرص الإصابة بالروماتويد

GMT 01:40 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مارتن لاف يكشف أبرز مزايا سيارة "إكس-ترايل" الجديدة

GMT 09:16 2013 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

الفراعنة أول من عرفوا السلم الموسيقي

GMT 16:11 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

التليفزيون المصري يعرض المسلسل النادر "مبروك جالك ولد"

GMT 08:33 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

صور لمناطق صينية غير مأهولة بالسكان تبدو كمدينة الأشباح
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq