مقتدى الصدر يعبّر عن الأزمة الإيرانية

مقتدى الصدر يعبّر عن الأزمة الإيرانية

مقتدى الصدر يعبّر عن الأزمة الإيرانية

 العراق اليوم -

مقتدى الصدر يعبّر عن الأزمة الإيرانية

بقلم : خير الله خير الله

ليس تقدم لائحة مقتدى الصدر بعد الانتخابات سوى نتيجة طبيعية لرغبة العراقيين في استعادة بلدهم وقرارهم الحر. لم يكن ذلك ممكنا لولا أن شيئا ما تغير في المنطقة.

مقتدى الصدر لم يتخلّ إلى الآن عن الذين راهنوا عليه من بين العرب

لعلّ ما هو أهم من الانتخابات العراقية والنتائج التي أسفرت عنها، الإطار الإقليمي الذي جرت في ظلّه. جعل هذا الإطار قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني يركض إلى بغداد في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إيرانيا. إذا كان من معنى لهذه الزيارة وحصولها في توقيت معيّن، فإن هذا المعنى يتمثّل في أنّ إيران باتت تشعر بأنّ العراق يمكن أن يفلت منها بعد كلّ الجهود التي بذلتها منذ أطاح آية الله الخميني بالشاه ونظامه، وأقام “الجمهورية الإسلامية” في العام 1979. كانت إيران في الماضي القريب الآمر الناهي في العراق، بات عليها الآن البحث عن طريقة للحدّ من خسائرها في بلد بقي فترة طويلة من الزمن بمثابة مصدر للعائدات المالية تغذي بها خزينتها والميليشيات التابعة لها من المحيط إلى الخليج.

ليس تقدّم لائحة رجل الدين مقتدى الصدر بعد الانتخابات سوى نتيجة طبيعية لرغبة العراقيين في استعادة بلدهم وقرارهم الحرّ. لم يكن ذلك ممكنا لولا أن شيئا ما تغيّر في المنطقة ولولا بوادر الضعف الإيراني. أدّى ذلك إلى انكشاف الدور الإيراني على حقيقته، كقوّة استعمارية من جهة وسقوط النموذج الذي تريد إيران تقديمه من جهة أخرى. هناك فشل إيراني على كلّ المستويات، في إيران نفسها. في نهاية المطاف، كيف يمكن لنظام لم يحقّق شيئا، للإيرانيين أوّلا، في أربعة عقود أن يقدّم نفسه لدول الجوار كتجربة قابلة للنجاح في أيّ مجال. يمكن بالطبع استثناء مجال الاستثمار الإيراني في إثارة الغرائز المذهبية وإنشاء ميليشيات مذهبية تعمل في خدمته.

ليس مقتدى الصدر شخصا خارقا، خصوصا أنّ جانبا من شخصيته يعبّر عن البساطة إلى حد كبير. كان الرجل محسوبا على إيران في مرحلة معيّنة. كان يقاتل الأميركيين والبريطانيين بعد احتلال العراق في العام 2003 تلبية لتوجيهات من طهران. وما لبث في العامين الماضيين أن تحوّل، بقدرة قادر، إلى رمز للوطنية العراقية في مواجهة الهيمنة الإيرانية.

من العراق الذي احتله الأميركيون عام 2003، كانت الانطلاقة الحقيقية للمشروع التوسعي الإيراني، ومن العراق سيبدأ أفول هذا المشروع الذي لم يعد قادرا حتى على التعاطي مع شخص مثل مقتدى الصدر بدأ يعبر عن وطنية عراقية ما

لم يكتف بذلك، بل ذهب بعيدا في تحالفاته وأوصل أعضاء شيوعيين إلى مجلس النواب العراقي. من مفارقات العصر أن يصل مرشّحون شيوعيون إلى البرلمان بأصوات قائد ميليشيا شيعية رفع أنصاره شعار “مكافحة الفساد” وخروج إيران من العراق. يحصل ذلك في ذكرى مرور مئتي عام على ولادة كارل ماركس الذي لم تصمد من كلّ نظرياته في شأن الرأسمالية ودكتاتورية البروليتاريا سوى نظرية واحدة تصلح لكلّ العصور والفصول هي “أنّ الدين أفيون الشعوب”. لا شكّ أن كارل ماركس يتقلّب في قبره هذه الأيّام!

كان مقتدى الصدر من بين أولئك العراقيين الذين برز نجمهم بعد الاحتلال الأميركي الذي أسقط نظام صدّام حسين في ربيع العام 2003. مثله مثل آخرين غيره، من الذين استفادوا من الحرب الأميركية على العراق، لم يتأخّر كثيرا في الانقلاب على الأميركيين/ والذهاب إلى محاربتهم بتوجيهات إيرانية. لكن الفارق بينه وبين معظم الآخرين، على رأسهم نوري المالكي أنّه رفض الذهاب إلى النهاية في خياراته الإيرانية. أدرك، ربّما بسبب انتمائه إلى عائلة عراقية عريقة ذات أصول عربية، أنّ العرب عرب وأن الفرس يبقون فرسا، وأن لا حدود للاحتقار الفارسي لكلّ ما هو عربي.

تكمن أهمّية مقتدى الصدر في أنّه لم يتخلّ إلى الآن عن الذين راهنوا عليه من بين العرب، هو الذي زار الرياض قبل أقلّ بقليل من سنة، معيدا اكتشاف العمق العربي والخليجي للعراق وأنّ العراق لا يستطيع أن يعود دولة مستقلّة يوما من دون الدعم العربي.

سيكون صعبا على قاسم سليماني النجاح في إقامة “تحالف واسع” يضمّ حيدر العبادي ونوري المالكي وهادي العامري وعمّار الحكيم، بما يؤدي إلى تشكيل حكومة عراقية موالية لإيران شبيهة إلى حدّ ما بحكومة المالكي التي تشكّلت بعد انتخابات العام 2010. ليس مكتوبا للمشروع الإيراني في العراق أن ينجح. هذا عائد إلى أسباب عدّة.

في مقدّمة هذه الأسباب أن إدارة دونالد ترامب ليست إدارة باراك أوباما. لن تكرّر تجربة جورج بوش الابن الذي سلّم العراق لإيران، أو تجربة باراك أوباما الذي استسلم كلّيا لإيران وقبل بكلّ شروطها العراقية. وصل الأمر بأوباما إلى سحب القوات الأميركية من العراق. ليس في وارد الإدارة الأميركية الحالية الاستسلام لإيران، لا في العراق ولا في غير العراق. لو لم يكن الأمر كذلك، لما تجرّأ حيدر العبادي، رئيس الوزراء الحالي، على امتلاك هامش للمناورة جعله متحررا إلى حد كبير عن إيران.

يرفض العبادي الذي يبدو أن قائمته ستحل في المرتبة الثالثة، في ضوء نتائج الانتخابات، أن يكون مجرد أداة إيرانية. قد يكون مردّ ذلك إلى أنّه ابن بغداد وعاش طويلا في بريطانيا، فضلا عن أنّه لم ينغمس في ممارسات ميليشوية لـ”حزب الدعوة”. وهذه ممارسات ارتبطت في أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، بين 1980 و1988 تحديدا، بالأجهزة الإيرانية والسورية التي كانت تتحكم بالمعارضين العراقيين الذين أقاموا في دمشق وطهران، خصوصا إذا كانوا من “حزب الدعوة”.

سيكون صعبا على قاسم سليماني النجاح في إقامة “تحالف واسع” 
سيكون صعبا على قاسم سليماني النجاح في إقامة “تحالف واسع” 
لا بدّ من الانتظار بعض الوقت قبل الذهاب إلى تقييم نهائي لنتائج الانتخابات العراقية. لكنّ ما يمكن أن يلعب لمصلحة المـراهنين على مقتـدى الصدر أن العـراق ليس بلدا سهل المراس.

كذلك، هناك على الرغم من كلّ حملات التطهير ذات الطابع المذهبي التي نفّذتها الميليشيات التابعة لإيران بما في ذلك تلك المنضوية تحت تسمية “الحشد الشعبي”، ما يدعو إلى التفاؤل. التفاؤل بأن العراق لن يبقى مستعمرة إيرانية. هناك في عمق كلّ شيعي عربي في العراق شعور بأنّ الإيراني، أي الفارسي، يحتقره ويستخفّ به.

هذا الاستخفاف الإيراني بكلّ ما هو عربي، جعل “الجمهورية الإسلامية” ترتكب في حرب 1980- 1988 خطأ مهاجمة الجنوب العراقي وقصف أحياء البصرة، معتقدة أن الشيعة حلفاء لها. كانت النتيجة أن أكبر الخسائر التي لحقت بالإيرانيين وقتذاك كانت في معارك الجنوب، حيث كان العراقيون الشيعة والسنّة يدافعون عن أرضهم تحت علم العراق الواحد.

ليس العراق، الذي يسعى فيه قاسم سليماني إلى تعويم “الحشد الشعبي”، عند منعطف. إيران نفسها في أزمة عميقة. ليس تمرّد مقتدى الصدر وتقدّم لائحته سوى تعبير عن هذه الأزمة الإيرانية. فمن العراق الذي احتله الأميركيون في العام 2003، كانت الانطلاقة الحقيقية للمشروع التوسّعي الإيراني، ومن العراق سيبدأ، في ما يبدو، أفول هذا المشروع الذي لم يعد قادرا حتّى على التعاطي مع شخص مثل مقتدى الصدر بدأ يعبّر عن وطنية عراقية ما. ليس معروفا بعد هل من أفق لهذه الوطنية العراقية. بكلام أوضح هل تعتبر كافية لإعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية، على ركام ما خلفه الزلزال الذي تسبب به الاحتلال الأميركي ثمّ الاحتلال الإيراني…

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقتدى الصدر يعبّر عن الأزمة الإيرانية مقتدى الصدر يعبّر عن الأزمة الإيرانية



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

GMT 01:25 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار متجددة وراقية لديكورات مداخل حفلات الزفاف

GMT 02:14 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة سيريفوس في سيكلاديز من أفضل جزر اليونان

GMT 21:26 2019 السبت ,10 آب / أغسطس

تعرفي علي مكونتات أغلى عطر في العالم

GMT 21:13 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

ناصر الخليفي يضع زين الدين زيدان على رأس قائمة المدربين

GMT 00:38 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

منال سلامة تقدم شخصية شريرة في " عائلة الحاج نعمان "

GMT 19:46 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ختام النسخة 11 لمهرجان منصور بن زايد للخيول العربية الأصيلة

GMT 09:36 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

شركة هيونداي تعلن طرح سوناتا 2018 بمواصفات مذهلة

GMT 02:53 2017 الثلاثاء ,04 تموز / يوليو

العلماء يخترعون ستائر تخزن الطاقة الشمسية

GMT 13:43 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

"Jacquemus" تكشف عن حقائب صغيرة ليس كالتي نتخيلها

GMT 15:15 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تدريبات خاصة للاعبي يد النادي الأهلي المصري الدوليين

GMT 21:42 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة إعداد كرات الشوكولاتة بجوز الهند والشوفان

GMT 20:06 2016 الأربعاء ,22 حزيران / يونيو

لاعب "الريان" القطري حامد اسماعيل يتعرَّض لحادث سير

GMT 11:12 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

المصمم نجا سعادة من عالم الطبّ إلى تصميم الأزياء
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq