إيران والدرس الياباني

إيران والدرس الياباني

إيران والدرس الياباني

 العراق اليوم -

إيران والدرس الياباني

بقلم : خيرالله خيرالله

قد تكون تهديدات ترامب جوفاء، لكن العقوبات الأميركية قادمة. هذا واقع لا يمكن تجاهله مثلما لا يمكن تجاهل أن ليس بالشعارات الطنانة يجد نصف الشعب الإيراني ما يسد به جوعه.
 لم يكن ينقص الرئيس دونالد ترامب سوى تذكير إيران بأن لدى الولايات المتحدة شيئا اسمه السلاح النووي الذي لم تختبره سوى “قلّة عبر التاريخ”. لم تستخدم أميركا السلاح النووي إلّا ضد اليابان في العام 1945 وذلك من أجل تأديبها وإجبارها على الاستسلام.

أصرّت الولايات المتحدة على ضرب اليابان مرتين وليس مرّة واحدة وذلك كي تتعلم درسا لا يمكن أن تنساه. كان كافيا أن تلقي قنبلة ذرية واحدة على هيروشيما كي تقبل اليابان الاستسلام. لكن الجنرالات الأميركيين الذين لم ينسوا بيرل هاربور أصروا على إلقاء قنبلة ثانية على ناغازاكي. كانت القنبلة التي استهدفت هيروشيما في السادس من آب – أغسطس 1945 وتلك التي استهدفت ناغازاكي بعد ذلك بثلاثة أيّام.

تختزل القنبلتان الذريتان عقلية أميركية، هي تلك التي كانت سائدة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في الريف الأميركي خصوصا. يبدو أن دونالد ترامب أعاد الحياة إلى هذه العقلية. إنهّا عقلية راعي البقر الذي يصرّ على توجيه اللكمات إلى خصمه حتّى بعد أن يبطحه أرضا.

تعلّمت اليابان الدرس. استسلمت ثم ركزت جهودها على إعادة بناء المجتمع والاقتصاد وتحولت إلى دولة حديثة تخلت عن أحلامها الإمبراطورية. هل تتعلّم إيران شيئا من درس اليابان، التي صارت القوة الاقتصادية الثالثة أو الرابعة في العالم، أم تراهن على أن كلام ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو ليس سوى تهديدات جوفاء؟

يمكن أن تكون تهديدات ترامب من النوع الذي لا معنى له، كما يمكن أن تعني الكثير. ما يوحي بأنّه يمكن أن يعني الكثير أن التصعيد المتبادل بدأ بخطاب للرئيس الأميركي ألقاه قبل أقل من سنة، عرض فيه التاريخ الحديث للعلاقات الأميركية – الإيرانية. لم يتوقف ترامب عند عرضه لما تعرضت له الولايات المتحدة منذ انتصار الثورة الإيرانية في العام 1979. تبعت الكلام الكبير للرئيس الأميركي خطوات عملية مثل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني.

يُفترض في إيران إعادة حساباتها، خصوصا أن ليس في استطاعتها مقارنة نفسها باليابان التي تحدّت الولايات المتحدة في أواخر العام 1941 ودمرت جزءا من أسطولها البحري في بيرل هاربور. كانت اليابان دولة قوية بالفعل وكانت لديها القدرة على لعب دور الإمبراطورية المهيمنة في محيطها.

كانت اليابان في الصين وكوريا وكانت في مناطق أخرى عديدة في جنوب شرق آسيا. اضطرت أخيرا إلى معرفة حدودها والانصراف إلى الداخل بعد الحسابات الخاطئة التي أقدمت عليها عندما انضمّت إلى ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبته اليابان في جعل أميركا تخرج من دور المتفرّج على ما تقوم به ألمانيا النازية في أوروبا. بعد بيرل هاربور، تغيّر كلّ شيء في العالم، بما في ذلك الموقف الأميركي من هتلر الذي كان يقضم أوروبا بهدوء، فيما بريطانيا وحدها تقاوم.

لعلّ أخطر ما في الكلام الجديد لترامب، أنّه يصدر عن إدارة أميركية تعرف تماما، بالتفاصيل المملّة، الدور الذي لعبته إيران منذ العام 1979. لم يتردد في تعداد كلّ المآخذ الأميركية على إيران، بما في ذلك احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين العاملين في سفارة طهران لمدة 444 يوما. ذهب إلى أبعد من ذلك. تحدّث عن دور إيران في تفجير السفارة الأميركية في بيروت في العاشر من نيسان – أبريل 1983 وفي نسف مقر المارينز قرب مطار العاصمة اللبنانية في الثالث والعشرين من تشرين الأول – أكتوبر من تلك السنة.

كانت تلك أكبر ضربة عسكرية، من زاوية عدد الضحايا، توجه إلى الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. لم يترك ترامب تفصيلا إلّا وأتى على ذكره في عرضه لما فعلته إيران منذ العام 1979، علما أن الولايات المتحدة لم تكن الأيّام الأخيرة من عهد شاه إيران في وارد دعمه. على العكس من ذلك، لم تتخذ موقفا معاديا من الثورة الإيرانية ومن آية الله الخميني بالذات. لم تعترض على استقباله في فرنسا على سبيل المثال وليس الحصر. فوق ذلك كلّه، كان مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ”سي. آي. إي” في الشرق الأوسط بوب أيمز أول من حذّر النظام الجديد في إيران من احتمال هجوم عراقي على إيران في ضوء خلافة صدام حسين لأحمد حسن البكر صيف العام 1979.

هذا الكلام عن التحذير الأميركي لإيران، عبر بوب أيمز، موجود في كتاب عنوانه “الجاسوس الطيّب” لكاي بيرد. يعرض الكتاب الدور الذي لعبه أيمز الذي فتح أول قناة اتصال بين منظمة التحرير الفلسطينية والإدارة الأميركية. قتل الرجل في تفجير السفارة الأميركية في بيروت مع عدد كبير من العاملين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كانوا مجتمعين به. قضت إيران بتفجيرها السفارة الأميركية على معظم المسؤولين عن محطات الـ”سي. آي. إي” في الشرق الأوسط دفعة واحدة. وهذا ما تعرفه واشنطن جيّدا.

تتعاطى إيران مع إدارة أميركية مختلفة كلّيا عن إدارة باراك أوباما التي راهنت على الاتفاق في شأن الملف النووي واعتبرته الإنجاز الأهم للرئيس الأسود الأول الذي يدخل البيت الأبيض. ما يعطي فكرة عن بداية استيعاب إيراني لكلام ترامب وأفعاله تلك التحذيرات التي صدرت عن الرئيس حسن روحاني. استعان بلغة صدّام حسين، لعلّ ذلك يوفّر له دعما داخليا. الأكيد أن روحاني أذكى من أن يكون جاهلا بموازين القوى. إضافة إلى ذلك، يعرف تماما أن رهانه مع وزير خارجيته محمّد جواد ظريف على إدارة أوباما سقط فجأة وأنّ هناك وضعا جديدا في واشنطن لا مفرّ من التعاطي معه.

هل تمتلك إيران شجاعة اليابان. على الأصحّ هل تتعلّم إيران من تجربة اليابان وتعيد النظر في حساباتها؟ إيران بلد يعمّه الفساد ليس لديه أي نموذج يقدّمه إلى العالم باستثناء الميليشيات المذهبية التي ساهمت في تخريب لبنان وسوريا والعراق واليمن وكادت أن تقضي على البحرين.

ليس أمام إيران سوى خيار واحد وحيد. يتمثل هذا الخيار في أن تكون دولة طبيعية من بين دول العالم الثالث وأن تنصرف إلى الاهتمام بشؤونها الداخلية. في النهاية، يعيش نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر، فيما النظام في حال هروب مستمرّة إلى خارج حدوده.

قد تكون تهديدات دونالد ترامب جوفاء ولا ترجمة لها. لكن العقوبات الأميركية قادمة. هذا واقع لا يمكن تجاهله مثلما لا يمكن تجاهل أن ليس بالشعارات الطنانة والفارغة يجد نصف الشعب  الإيراني ما يسد به جوعه.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
 المصدر: جريدة العرب

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والدرس الياباني إيران والدرس الياباني



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 06:59 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

"الدانتيل" لديكور مذهل في حفل زفافك

GMT 00:21 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

مروان حامد مخرج أول أفلام سلسلة "رجل المستحيل"

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

كم يوم عمل تحتاجه لشراء هاتف أيفون X ؟

GMT 22:44 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العكايشي يقود الاتحاد إلى التعادل في مباراة الفيصلي

GMT 17:22 2013 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

مقتل وإصابة 30 شخصًا في انفجار عبوة ناسفة بمحافظة ديالي

GMT 22:18 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مشاركة عربية قياسية في نهائيات أمم أفريقيا 2019

GMT 07:10 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

نقوش الحيوانات أحدث إطلالة لمواكبة موضة خريف 2018

GMT 16:29 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

كريم هنداوي أفضل لاعب في بطولة كأس تركيا لليد

GMT 00:42 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الاثنين

GMT 02:19 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

أفغان يعلنون دفن ضحايا ضربة جوية نفذّتها الحكومة

GMT 08:34 2018 الخميس ,29 آذار/ مارس

مرسيدس C43 AMG 4Matic عائلية من الدرجة الأولى

GMT 09:55 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

كليب وقفة ناصية زمان لأحمد مكي يتصدر قائمة top tracks مصر

GMT 20:56 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

هيدي بفستان مثير في العيد الـ20 لمدينة الإنتاج الإعلامي

GMT 21:29 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

هيونداي تخطط لإطلاق سيارتها ذاتية القيادة بحلول 2021
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq