إيران… والحليف الأميركي

إيران… والحليف الأميركي

إيران… والحليف الأميركي

 العراق اليوم -

إيران… والحليف الأميركي

بقلم : خير الله خير الله

الثابت أن إيران لن تجد ما تفعله سوى التراجع في حال اكتشفت أن هناك إصرارا أميركيا على محاصرتها. فكل مسؤول إيراني، أكان متطرفا أم معتدلا، يعرف أن أميركا لم تكن يوما عدوا لإيران، بل كانت حليفا.

لا مصلحة لأي طرف في المنطقة في مزيد من التصعيد، اللهم إلّا إذا كان التصعيد جزءا من سياسة تقوم على ممارسة لعبة الابتزاز. من يعتقد أن في استطاعته ممارسة التصعيد للتغطية على مشروع توسّعي يستند إلى إثارة الغرائز المذهبية، إنّما يخدم في واقع الحال القوة التي يعتبرها عدوّا له، أقـلّه في خطاباته العلنية. هذه حال إيران مع الولايات المتحدة.

كانت أميركا المستفيد الأوّل من كلّ ما تقوم به إيران وذلك منذ قيام “الجمهورية الإسلامية” في العام 1979. كلّ ما في الأمر أن اعتماد دول المنطقة على الولايات المتحدة زاد منذ بدأت إيران تتحدّث عن “تصدير الثورة” إلى الدول المجاورة وإلى دول بعيدة عنها مثل اليمن، على سبيل المثال وليس الحصر.

أظهرت تجارب الماضي القريب أن المنطقة كلّها، خصوصا منطقة الخليج، في حاجة إلى التعقّل قبل أيّ شيء آخر. ماذا يعني التعقّل؟ يعني أن يعرف كل طرف حجمه وأن يحترم موازين القوى القائمة إقليميا ودوليا بعيدا عن الكلام الفارغ الذي لا يؤدي إلى أي نتيجة ذات طابع إيجابي.

على العكس من ذلك، يولّد الكلام الفارغ الذي يقتصر على تهديدات من نوع تلك التي أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني سلبيات على كلّ صعيد. ما الذي يمكن أن ينتظره الرئيس الإيراني، الذي حصل على تأييد “الحرس الثوري” عندما يهدّد دولا أخرى بمنعها من تصدير نفطها ردّا على الإجراءات الأميركية في حقّ إيران؟

هل تمتلك إيران ما يكفي من القوة لمواجهة الولايات المتحدة في حال قرّرت بقاء الخطوط البحرية التي ينقل عبرها النفط، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب مفتوحة؟

حسنا، تبيّن أن حظ إيران سيّء مع الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب في حين كان حظها جيّدا مع باراك أوباما. نظريا، تغيّرت السياسة الأميركية كلّيا. قاد دونالد ترامب في واقع الحال انقلابا على سياسة سلفه باراك أوباما.

قرّر الرئيس الأميركي وضع حدّ للمشروع التوسّعي الإيراني وصولا إلى حرمان “الجمهورية الإسلامية” من إمكان تسويق نفطها. بدل أن يسعى النظام الإيراني إلى التعاطي بواقعية وعقلانية مع التحدي الأميركي الذي بدأ بخطاب عرض فيه الأسباب التي تدعو إلى محاصرة إيران ومعاقبتها وألحقه بانسحاب من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني، إذا به يلجأ إلى التصعيد.

تلعب إيران عبر اللجوء إلى التصعيد لعبة أميركا ولا شيء آخر غير ذلك. إذا كانت تريد بالفعل إبعاد أميركا عن المنطقة، هناك طريق قصير يمكّنها من تحقيق هذا الهدف. تتمثّل الخطوة الأولى على هذا الطريق القصير بالتساؤل ما الذي يمكن أن تفعله إيران خارج حدودها مباشرة عبر “الحرس الثوري” أو عبر الميليشيات المذهبية التابعة لها لتهدئة مخاوف جيرانها؟

في النهاية، ما الذي تريده إيران في لبنان أو سوريا أو العراق أو البحرين أو اليمن. لماذا أصرّت على إقامة خلايا إرهابية في الكويت، كانت خليّة العبدلي أبرزها، وما دخلها في دعم رجل الدين الشيعي هذا أو ذلك في السعودية.

ما الذي يزعج أميركا من قمع الإيرانيين في إيران نفسها وماذا يزعجها من تفتيت الدول العربية الواحدة بعد الأخرى، وهو الدور الذي لا تعرف إيران لعب غيره؟

حظ إيران جيّد مع الولايات المتحدة وسيّء في أحيان أخرى. كان سيئا عندما اكتشفت في العام 1987 مثلا، أنّ ليس في استطاعتها إغلاق مضيق هرمز وخطوط النقل البحرية. يفترض في إيران التعلّم من تلك التجربة واستيعاب أنّها ليست دولة عظمى تمتلك أساطيل تجوب البحار. إنّها دولة تعتمد كلّيا على صادرات النفط ولا شيء آخر أساسيا غير ذلك.

في العام 1987، كانت الحرب العراقية – الإيرانية تشارف على نهايتها. معروف جيدا أن دول مجلس التعاون الخليجي دعمت العراق في تلك الحرب وذلك من أجل حماية أمنها. قررت إيران الانتقام من الكويت التي كانت تدعم العراق في حينه وهددت أسطول النقل البحري الكويتي. كان ردّ فعل القيادة الكويتية وقتذاك الطلب من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة رفع علميهما على الناقلات الكويتية.

لم تتجرّأ إيران بعد ذلك على الاقتراب من أي ناقلة كويتية. فهمت إيران حجمها. أجبرتها الظروف على ذلك. ما يمكن استنتاجه من كلّ ذلك أن اللغة الوحيدة التي تفهمها إيران هي لغة القوّة. في حال أظهر دونالد ترامب أنّه جدّي بالفعل في التعاطي معها، لن يكون من مجال آخر سوى الدخول في مفاوضات جدية تؤدي هذه المرّة إلى اتفاق جديد.

يضع مثل هذا الاتفاق الملفّ النووي الإيراني على الرفّ نهائيا من جهة ويعالج مسألتين في غاية الأهمّية من جهة أخرى. المسألتان هما الصواريخ الباليستية والسلوك الإيراني في المنطقة، بما في ذلك دعم الميليشيات المذهبية التي لا هدف لها سوى تفتيت دول المنطقة. يظلّ ما يحدث في لبنان وسوريا والعراق واليمن خير دليل على ذلك، أي على ما هي السياسة الإيرانية على أرض الواقع.

كانت الحرب العراقية – الإيرانية تقترب من نهايتها في أواخر العام 1987. سهّل ذلك انعقاد قمّة عربية في عمان حضرها صدّام حسين وحافظ الأسد الذي تعاطى مع التطورات الإقليمية بواقعية كبيرة بعدما أيقن أن رهانه على إيران في الحرب استنفد أغراضه. إيران نفسها بدأت تدرك أن عليها تجرّع “كأس السمّ” على حد تعبير آية الله الخميني. وقد فعل ذلك في 1988.

ما يبدو طبيعيا في السنة 2018 هو أن تتعظ إيران من أحداث 1987. لم يكن في استطاعتها في ثمانينات القرن الماضي متابعة الحرب على العراق لولا الدعم الأميركي لها. ضربت أميركا وقتذاك عصفورين بحجر واحد. أنهكت العراق وإيران وجعلت دول المنطقة أكثر اعتمادا عليها.

كان العناد الإيراني على الاستمرار في الحرب أكبر خدمة إيرانية للولايات المتحدة التي استنزفت العراق إلى أبعد حدود في وقت لم يكن البلد يمتلك للأسف الشديد قيادة تتمتع بالقدرة على استيعاب موازين القوى في المنطقة والعالم، إضافة إلى عدم استيعابها لمعنى التحولات الدائرة في إيران نفسها في مرحلة ما بعد سقوط الشاه.

فالحرب العراقية - الإيرانية كانت الخدمة الأكبر للخميني الذي انتهز تلك الفرصة لاستثارة العنصرية الفارسية وإرسال الجيش الذي لم يكن يثق به إلى جبهات القتال في الوقت ذاته.

منذ اليوم الأوّل لسقوط الشاه، كانت إيران المستفيد الأوّل من السياسة الأميركية. كانت شريكا في الحرب الأميركية على العراق في 2003 وكانت الرابح الأوّل من تلك الحرب التي أعطت مشروعها التوسّعي انطلاقة جديدة. أخذت هذه الانطلاقة بعدا أكبر في عهد باراك أوباما الذي لم ير سوى “الإرهاب السنّي” في المنطقة تاركا الإرهاب الآخر الذي تمثله ميليشيات إيران يسرح ويمرح.

سيترتب الكثير على مدى جدّية إدارة ترامب في التعاطي مع إيران. الثابت أن إيران لن تجد ما تفعله سوى التراجع في حال اكتشفت أن هناك إصرارا أميركيا على محاصرتها.

فكلّ مسؤول إيراني، أكان متطرفا أم معتدلا، علما أنّ لا فارق يذكر بين المعتدل والمتطرف، يعرف أن أميركا لم تكن يوما عدوّا لإيران، بل كانت حليفا دائما لها، وأن كلّ الكلام عن “الموت لأميركا” كان للاستهلاك المحلي أو الإقليمي.

ما الذي يزعج أميركا من قمع الإيرانيين في إيران نفسها وماذا يزعجها من تفتيت الدول العربية الواحدة بعد الأخرى، وهو الدور الذي لا تعرف إيران لعب غيره؟

المصدر: العرب
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران… والحليف الأميركي إيران… والحليف الأميركي



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 09:45 2021 السبت ,20 شباط / فبراير

سياحة إفتراضية على متن مركب شراعي في أسوان

GMT 20:47 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 21:28 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 22:02 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 15:16 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

لا رغبة لك في مضايقة الآخرين

GMT 11:00 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

حفل توقيع المجموعة القصصية "عود بخور" بمكتبة "ألف"

GMT 09:51 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

تفاصيل " المندرة " عمل مسرحي عن "كورونا"

GMT 12:06 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

"الغارديان" تكشف عن وقائع الاغتصاب في سجن أبو غريب

GMT 04:41 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

ريهانا تثير الجدل مجددًا بإطلالة غريبة تظهر رشاقتها

GMT 06:19 2017 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

هديل العزاوي تنصح الفتيات بالخروج دون "ميك آب"

GMT 08:42 2017 الجمعة ,27 كانون الثاني / يناير

استمتع بقضاء شهر عسل في مدينة التسلية والتسوق ميامي

GMT 22:30 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

قصات شعر للوجه المثلّث..

GMT 06:50 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

عواصف شتوية عاتية تضرب خمسة ولايات أميركية الأحد

GMT 17:58 2019 الأحد ,06 كانون الثاني / يناير

منتخب يد تونس يهزم اليابان في بطولة يالو كاب السويسرية

GMT 15:14 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

7 علامات من السنّة تعرف بها "ليلة القدر"
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq