العرب والكرد السوريون لوم الضحية

العرب والكرد السوريون: لوم الضحية

العرب والكرد السوريون: لوم الضحية

 العراق اليوم -

العرب والكرد السوريون لوم الضحية

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

لومُ الضحيَّة مُدانٌ أخلاقياً وسياسياً ثلاث مرّات: حين يرافقه امتناع عن لوم الجلاّد، وحين لا تُوجَّه الحصَّة الأكبر من اللوم إلى الجلاّد نفسه، وحين لا يقال إن الجلاّد صاحب دور أساسيّ، وإن لم يكن دوراً أوحد، في التردّي الذي يصيب الضحيّة.

الوفاء بهذه الشروط يجعل نقد الضحيّة مطلوباً سياسياً، بل واجباً أخلاقيّاً أيضاً، حتَّى في لحظات التضامن معه. أحد أهداف النقد محاولة الحدّ من استضحاء الضحيّة في المستقبل، أو ربّما التغلّب على الاستضحاء ذاته إن أمكن. لهذا، وبعد إدانة أدولف هتلر، يُدان ضحاياه الناجون من المحرقة ممن شاركوا في طرد الفلسطينيين والحلول محلّهم. وبعد إدانة إسرائيل، تُدان المقاومة الفلسطينيّة لتفجيرها نزاعات أهليّة في المجتمعات العربيّة. وبعد إدانة صدّام حسين، يُدان معارضوه الذين تربّعوا على سدّة الحكم في بغداد بعد إطاحته. وبالمعنى نفسه، وبعد إدانة حافظ وبشّار الأسد، يُدان ضحاياهما من العرب والكرد السوريين.

اليوم، الناشطون العرب والكرد، ومن ورائهم بيئات أهليّة لا يُستهان بحجمها، يخوضون فيما بينهم حرباً لفظيّة توازي الحرب التركيّة التي تُشنّ على الكرد خصوصاً، وعلى سوريا عموماً. تلك الحرب ليست مجرّد عدوان على جماعة وعلى بلد، ولا هي مجرّد توسّع ودم وآلام ونزوح. إنّها أيضاً تأسيس لنزاع أهلي عربي - كردي جديد، نزاعٍ قد يرافقنا لعشرات السنين، وقد يرفع صعوبة الوطنيّة والأوطان في منطقتنا إلى سويّة الاستحالة. أمّا إذا تحقّقت رغبات البعض وانتعشت «داعش»، أو تعاظمَ اندفاع الكرد السوريين إلى حضن الأسد، فالمعنى اكتمال عقد «حلف الأقليات» بضمّه الإثنيّات والقوميّات إلى الطوائف والمذاهب. في هذه الحال، سوف يبدو النظام كأنّه كسب معركة الأفكار بعد أن كسب معركة الأرض. الأفق لا يعود يتّسع إلاّ للموت.

قطاعات عريضة عربيّة وكرديّة في منطقة الجزيرة، أو شرق الفرات، أو روج آفا، سمّها ما تشاء، لا تواجه هذا الحاضر اللئيم إلاّ بتركة ماضٍ أشدّ لؤماً.

هذا بعض ما نجده حين نراجع ذاك التبادل المسموم بين الضحايا:

معاناة الأكراد في تعرّضهم المديد لتمييز الأنظمة السورية ضدّهم، ولحملات التعريب، واجهتها الثورة بالامتناع عن تلبية أي من مطالبهم المشروعة، بما فيها استبدال «الجمهوريّة العربيّة السورية» بـ«الجمهوريّة السورية». كلّ المطالب أُجّلت إلى الغد، والغدُ تبعاً لتجارب الأمس، ليس مما يؤتمن له. لسان الثورة، حيال الكرد، كان كثيراً ما يشبه لسان النظام.

الكرد، من جهتهم، استأنفوا ثورتهم بوصفها نشاطاً موازياً للثورة السورية، مستقلّاً عنها. مرارة التخلّي عنهم في تجربة القامشلي عام 2004 ربّما شحذت الحذر فيهم وحضّت على المبادلة بالمثل. لكنّ هذا التوازي لم يخل من صفقات مع الأسد وأجهزته، كما لم يردع عن أعمال تطهير بشعة ومُخزية طالت السكّان العرب.

في الحالات القصوى، كان كلّ من الطرفين يُشهر فزّاعة لعينة في وجه الآخر: للعرب، تنظيمات التكفير الإسلاميّة وتركيّا إردوغان، وللأكراد، حزب العمّال الكردستاني وأوجلان. لقد اتفق الطرفان، من موقع الخصومة، على طرد قضيّتيهما إلى خارج المسرح الوطني لسوريّا. والقضيّتان، كما يُفترض، قضيّة واحدة في مواجهة الاستبداد!

مثل هذا التمادي في الخطأ كان يبرّره لأصحابه، واعين أو غير واعين، أنّهم يحتكرون الاستضحاء والظلم، وبالتالي يحتكرون الحقّ والحقيقة. سواهم خونة ومرتزقة وجلاّدون أو أدوات لجلاّدين.

هذه التجربة، بعد تجارب مريرة سابقة، تحرّض من دون شكّ على مساءلة الاجتماع الوطني السوري في عمومه، إن لم يكن الاجتماع الوطني لعموم المشرق العربيّ: هل نستطيع أن نعيش معاً أحراراً متساوين؟ هذا السؤال كان اللغم الأكبر الذي انفجر بالثورة السورية.

والحال أنّ مراجعة ذاك الاجتماع مسألة لا تزال تستبعدها عوامل كثيرة، آيديولوجيّة وعاطفيّة وعمليّة، عواملُ ليست هذه العجالة مجال نقاشها. لكنْ في هذه الغضون، لا بأس بالعودة إلى تنافس الضحايا على الاستضحاء بوصفه أكثر ما يدمّر القضايا العادلة.

فالتنافس على مَن هو الضحيّة المطلق وجه آخر للتنافس على مَن هو المَلاك المطلق والبريء بإطلاق. ومن يكون كذلك ينعدم عنده الشعور بالذنب حين يرتكب العمل الشرّير لأنّه «جوهريّاً» ملائكي ومضادّ للشرّ. فإذا ارتكبه، ارتكبه كممثّل للاستضحاء متحدّث بلسان الضحيّة. هذا ينجّيه من محاسبة الضمير ويرسمه ضحيّة مؤامرة دائمة لأنّه مختار من الله أو مُصطفى في التاريخ. وبما أنّه كذلك، فهو يطلب لنفسه الامتيازات التي ينبغي أن يتفرّد بنيلها، ويريد أن يعامله الآخرون بغنج ودلال لأنّه يحتكر الاستضحاء.

في تشخيص كهذا نعثر على بعض السلوك الإسرائيلي المغناج في طلب التعويض عن المحرقة، وفي المطالبة بمعاملة استثنائيّة دائمة. وفيه نعثر على حسد الشعوب الكثيرة لليهود لأنّ مأساتهم فاقت في ضخامتها ضخامة باقي المآسي. التشخيص إيّاه يقدّم لنا أحد العناصر التي تفسّر استعصاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي على الحلّ السياسيّ.

نعم، هؤلاء الضحايا يُلامون، ومثلهم يُلام عرب سوريا وكردها الذين هم، من دون أدنى شكّ، ضحايا. وفي التضامن معهم، وهو تضامن مؤكّد، يُستحسن ألا نفقد حسّ النقد والمراجعة. بهذا نتضامن على نحو أفضل وأفيَد.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب والكرد السوريون لوم الضحية العرب والكرد السوريون لوم الضحية



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 21:41 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 19:36 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

الدكتور ماهر عبدالوهاب لـ"العرب اليوم":

GMT 13:01 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

دراسة تكشف فوائد وسلبيات حمية البيض لفقدان الوزن

GMT 16:59 2020 الخميس ,10 أيلول / سبتمبر

"دويتشه بنك" يتوقع حلول "عصر الفوضى"

GMT 08:21 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

أمل كلوني تخطف الأنظار في أحدث جلسة تصوير

GMT 03:51 2018 الأحد ,04 شباط / فبراير

تعرفي على طرق صحية وفعّالة لتطويل الشعر

GMT 22:06 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

حامد إسماعيل ينتظم في تدريبات السد القطري

GMT 16:39 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

5 أفلام جديدة اختار صناعها أسماء غريبة للفت الانتباه

GMT 02:27 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

إيمان سلامة ترفض تجسيد شخصية سعاد حسني في أي عمل درامي

GMT 20:00 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

سعر الجنية المصري مقابل الجنيه سوداني الأربعاء

GMT 13:44 2018 الإثنين ,04 حزيران / يونيو

انتهاء عقد اللاعب عوض خريص مع نادي الاتحاد

GMT 11:11 2018 السبت ,14 إبريل / نيسان

تعرف علي أفضل المطاعم المميزة في روسيا

GMT 06:25 2018 الثلاثاء ,03 إبريل / نيسان

العلماء يؤكّدون أن الكاكاو مصدر غني بالمعادن

GMT 21:47 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

علي ربيع يبدأ تصوير أولى مشاهد" سك على أخواتك"

GMT 19:38 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

أنجليك كيربر تهزم هسيه سو وي في بطولة أستراليا المفتوحة

GMT 21:43 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

لاعب قطر عبد الرحمن محمد يكشف مفتاح الفوز على الدحيل

GMT 05:38 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل حفل الفنانة ماجدة الرومي في مدينة الرياض

GMT 00:57 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم يزور برواز دبي
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq