عالِم من قُم يتجرأ على النظام ارحم ضحاياك

عالِم من قُم يتجرأ على النظام: ارحم ضحاياك!

عالِم من قُم يتجرأ على النظام: ارحم ضحاياك!

 العراق اليوم -

عالِم من قُم يتجرأ على النظام ارحم ضحاياك

هدي الحسيني
بقلم : هدي الحسيني

في تقريرها عن حالة الصحافة في العالم عام 2020، صنفت منظمة «مراسلون بلا حدود» ومقرها باريس، إيران على أنها صاحبة الرقم القياسي في قتل العاملين في وسائل الإعلام، في إشارة إلى عملية اختطاف روح الله زام التي أدت إلى محاكمته خلف أبواب مغلقة ومن ثم شنقه. وقد وصفت المنظمة إعدامه بأنه جريمة قتل. لم يكن زام البالغ من العمر 42 عاماً الصحافي الوحيد الذي قتلته إيران لمجرد آرائه وأنشطته على وسائل التواصل الاجتماعي.

بدأت القوى التي وصلت إلى السلطة في إيران بعد الثورة عام 1979 علناً أو سراً، بإصدار أحكام الإعدام بحق الصحافيين والكتّاب قبل فترة طويلة من هيمنتها الكاملة.

في الرابع من هذا الشهر كتب آية الله محمود أمجد، عضو الحوزة العلمية في قم، أنه ينوي الانتفاضة ضد الحوزة «الفاسدة»، و«الرؤوس الفاسدة التي لا ضمير لديها». وكرر أمجد الذي كان طالباً لدى مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني: «سأثور على هذه المدرسة الدينية الفاسدة وعلى أصحاب العمامات الشريرة مهما حدث». دعَم أمجد في وقت سابق الصحافي روح الله زام، المدير الإداري لموقع «آماد نيوز»، ووصفه بأنه ضحية القمع، وكان عملاء الاستخبارات الإيرانية قد استدرجوا زام المقيم في باريس، إلى العراق، ومن هناك خطفوه ليُشنق في 12 من الشهر الماضي. أصر أمجد في رسالته المصورة بالفيديو على أن المرشد علي خامنئي مسؤول شخصياً عن «جميع عمليات القمع في إيران على الأقل منذ عام 2009»، وذهب إلى أبعد من ذلك بأن دعا إلى تغيير الدستور، طالباً من رجال الدين تحمل مسؤولية صمتهم.

لا يكتفي النظام الإيراني بقتل المعارضين من الصحافيين أو النشطاء، بل إنه يلاحق مقابرهم ويخطف جثثهم. كأن هناك قراراً في جمهورية خامنئي ألا تتخلى عن الحياة الآخرة لخصومها في إيران، إذ يُحرم الآلاف من الآباء والأمهات الذين وقع أولادهم ضحية رد فعل الجمهورية الإسلامية القاسي على الاحتجاجات، من الحداد على أحبائهم.

بدأ تدمير القبور في إيران مباشرةً بعد سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، وإنشاء الجمهورية التي يهيمن عليها رجال الدين. كان على رأس مهاجمة القبور والأضرحة رجل دين وُصف بالموتور هو صادق خلخالي الذي اشتُهر بترؤسه محاكمات مدتها خمس دقائق وإصدار أحكام بالإعدام. وبدعم من الخميني قرر خلخالي هدم ضريح كورش الكبير، جنوب إيران (أي قبل سنوات طويلة قبل أن تنسف «طالبان» تماثيل بوذا في أفغانستان التي تعود إلى آلاف السنين، ولاحقاً كما نسفت الميليشيات الشيعية التابعة لإيران قبر الرئيس العراقي صدام حسين في تكريت - العراق)، لكن الاحتجاج الشعبي أجبر خلخالي على التراجع. ومع ذلك تمكن خلخالي، مسلحاً بالديناميت والجرافات، من هدم ضريح مؤسس سلالة بهلوي، رضا شاه، ومع ذلك فشل في العثور على جثته. وتعرضت المقابر للهجوم بشكل متكرر، بينما دُفنت الآلاف من جثث المنشقين في مقابر مجهولة ومقابر جماعية غير معروفة.

بعد أربعين عاماً من هذه العادة المقيتة، دمّر عملاء الاستخبارات الإيرانية قبر المصارع الشاب نافيد أفكاري. وكان أفكاري قد أُعدم في 12 سبتمبر (أيلول) الماضي، ودُفن ليلاً لأنه كان من بين آلاف المتظاهرين الذين ثاروا ضد المؤسسة الإسلامية الإيرانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وقُتلوا أو اعتُقلوا أو أُصيبوا أو أُعدموا فيما بعد.

منذ صيف 1988 صارت مقبرة خاواران معروفة بمقبرة آلاف السجناء الذين أُعدموا في أثناء تنفيذ أحكامهم خلف القضبان. القبور في المقبرة لا تحمل علامات، ولا تسمح السلطات الإيرانية لأسر القتلى بالنعي في المقبرة، ولا تزال هوية المدفونين في «خاواران» غير معروفة لأقاربهم. إن تدمير مقابر المعارضين هو علامة على خوف السلطات منهم؛ لأنه من خلال تدمير المقابر يظن النظام خطأ أنه سيخيف أهالي الضحايا ويُسكت أصواتهم، لكن كل الضغوط التي مارسها النظام على أهالي الضحايا لم يكن لها أي تأثير، بل زادت من استياء الناس من حكم الملالي. تم احتجاز الأهالي وضربهم وتعذيبهم. لقد تسببوا في خراب العائلات أكثر من مرة، لكن العائلات وقفت بحزم خلال هذه السنوات وما زالت تقاوم رغم أنها في كثير من الأحيان كانت جثة قتيلها رقماً.

لقد اضطهد النظام عائلات ضحاياه بلا رحمة، معتقداً أن بإمكانه طمس ذاكرة الضحايا. لم يقتصر تقليد النظام الإيراني مصادرة الجثث وتحطيم شواهد القبور على حقبة الثمانينات وعلى مقبرة خاواران الجماعية، بل تحت ضغط النظام وعملائه أُجبر العديد من العائلات التي أُعدم أبناؤها على يد «الباسيج» أو قُتلوا في احتجاجات الشوارع، على دفنهم ليلاً من دون الطقوس التقليدية، في حين لا يزال العديد من العائلات تبحث عن أي دليل يرشدها أين رمت السلطات بجثث أبنائها. ويروي أحدهم معاناة العائلات الحقيقية، وكيف مرت سنتان على قتل شقيقيه من دون أن تتسلم العائلة الجثتان أو أن تعرف مكان دفنهما. ومنذ سنتين لم تعرف والدته الراحة، خلالهما زارت كل مقابر إيران، وما إن يقول لها أحدهم إن ابنيها مدفونان في ذلك المكان أو ذاك حتى تنطلق ملهوفة للصلاة عن روحيهما. هذه هي مشانق المعاناة التي يلفّها النظام حول أعناق عائلات ضحاياه.

يقول محمد تقي فاضل ميبودي، وهو رجل دين بارز وعضو في هيئة علماء ومعلمي قم: «لا ينبغي التسبب في معاناة الناجين، ولا تجوز معاقبة ذوي الضحايا. إن عدم تسليم الجثث لأقاربهم هو نوع من التعذيب النفسي، فما الذنب الذي اقترفه هؤلاء الناجون؟ هذا مخالف للشريعة». ورفض بشكل قاطع تخريب القبور المدعوم من الحكومة بوصفه «حراماً». وأضاف أن قبر أي شخص تُوفي أو تم إعدامه هو محط احترام. ويلتزم جميع المؤمنين بالصلاة علـى الموتى ودفن أجسادهم باحترام حسب الشعائر الإسلامية، خصوصاً أن صلاة الميت إجبارية، وكذلك الأمر في دفن الجثث واحترام القبور. وبعبارة أخرى فإن أي نوع من الإهانة للإنسان، حياً أو ميتاً، هو أمر غير لائق ومحرّم في الإسلام.

اكتفى رجل الدين ميبودي بهذا النقد اللاذع، لكنه توقف عن انتقاد النظام بقتل الأبرياء وإعدامهم.

مَن منّا الذين تابعوا مظاهرات الموجة الخضراء سنة 2009 وشاهدوا على شاشات التلفزيون مقتل الشابة ندى سلطان، التي ضجّت بصورها وهي مضرجة بدمائها وسائلُ الإعلام العالمية وحتى المحلية؟ لقد حطم عملاء النظام شاهد قبرها، وقد رفضت والدتها إصلاحه كي يسجِّل التاريخ أن هذا النظام الطاغي يبقى مرعوباً من قبر ندى وذاكرتها.

على كل، ليس فقط قبور معارضي النظام ومنتقديه والمتظاهرين ضده التي تتعرض للتدمير الانتقامي، فهؤلاء ظلوا حتى بعد موتهم يهددون النظام، وليس هؤلاء وحدهم مَن تتعرض جثثهم للاختفاء، بل طال هذا التصرف ضحايا الطائرة الأوكرانية التي أسقطها «الحرس الثوري» الإيراني بصاروخين في يناير (كانون الثاني) الماضي.

مع اعتراف السلطات الإيرانية بإعدام المعارضين من كتّاب وصحافيين وأناس عاديين وأقليات، لا سيما الأكراد والعرب والبهائيين واليارسانيين، إلا أن الذين يدمّرون القبور وينسفونها يبقون مجهولي الهوية! وعندما يقول أحدهم إنه سيزور مقبرة الإمام زاده طاهر، فإنه بذلك يوجه رسالة إلى السلطات، أنه يبحث عن العدالة لأرواح ضحايا الظلم الذين استكثر عليهم النظام «الديني» حتى صلاة الميت.

إن أهالي الضحايا يبحثون عن العدالة، والمقابر تعكس جغرافية العدالة. لقد تداخل تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدى 41 عاماً مع المقابر، التي يصفها النظام بـ«اللعنة». يريد النظام السيطرة على جثث ضحاياه ومقابرها، لكن تبقى لهذه الجثث أصوات، نرددها نحن، وستبقى مقابر الضحايا تلاحق هذا النظام، وكلما دمّرها عمّق الحفرة التي سيسقط فيها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالِم من قُم يتجرأ على النظام ارحم ضحاياك عالِم من قُم يتجرأ على النظام ارحم ضحاياك



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 07:49 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ريتا أورا تحتفل بألبومها الثاني الذي ينتظره الجميع

GMT 15:03 2020 الإثنين ,18 أيار / مايو

فساتين خطوبة مطرزة لإطلالة إستثنائية فخمة

GMT 04:09 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يعثرون على أصغر كوكب خارج المجموعة الشمسية

GMT 00:55 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فؤاد قرفي يكشف عن مجموعته الجديدة من الأزياء

GMT 00:26 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

أجمل معاطف كيت ميدلتون موضة 2021 لمناسبة عيد ميلادها

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

البنك المركزي يصدر تعميم جديد يحدد سعر الصرف

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

تعرف على أسعار سيارات نيسان "بيك أب" بعد زيادة يونيو

GMT 08:09 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 08:53 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

"سيلفرمين" في السويد يعد من أغرب فنادق العالم

GMT 00:36 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

سارة سيد تكشف عن مميزات السياحة في ألمانيا

GMT 18:21 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

أحمد فهمي يتقدم بطلب الزواج من الفنانة رانيا يوسف

GMT 15:43 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

قوات الشرطة تحبط محاولة تفجير في مدينة العريش الثلاثاء

GMT 12:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لعبة MOBA الجديدة Mobile Legends متوفرة الآن على الهواتف الذكية

GMT 02:49 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر ضمن أفضل 10 دول في حجم القوات البحرية
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq