ابن عربي في بغداد

ابن عربي في بغداد

ابن عربي في بغداد

 العراق اليوم -

ابن عربي في بغداد

خالد القشطيني
بقلم : خالد القشطيني

في هذا الكتاب الفريد والبليغ «موت صغير» للروائي السعودي المبدع محمد حسن علوان، التقيت ببطل الرواية، محيي الدين ابن عربي، وهو يهم بدخول مدينة بغداد بعد سفرة مضنية راح يبحث فيها عن حبيبة قلبه «نظام». هزتني هذه المقطوعة من الكتاب، ولم لا وأنا بغدادي كرخي أصيل؟! رحت ألتهم كلماتها وهي تعيدني لأحضان المدينة التاريخية الخالدة. يقول:

قليلة هي المدن التي تجوز أسوارها أول مرة فتشعر أنها كانت تنتظر وصولك. تلقي على خطواتك الأولى عتاباً مشوباً بالحنين وشوقاً محفوفاً بالرضا. هكذا استقبلتني بغداد وأنا واحد من مئات حملتهم القافلة إلى هنا، غير أني شعرت أنها حيتني وحدي تحية المدن السخية للغرباء المتعبين. على ملامحي مذ دخلتها علامات اندهاش تشبه تلك التي ترتسم على الأوجه عندما يعانقك من لا تعرفه. ويحبك من لم يلتقِك ويصفك من لم يرك.

تظل الدهشة حاضرة زمناً طويلاً حتى تنتهي المدينة من تلقينك دروسها الأولى. كيف تمشي على ضفة دجلة ويبقى قلبك خلف أضلعك لا يجري به النهر؟ كيف تمر بالرصافة دون أن تستوقفك كل نخلة بحكاية جديدة لا تعيدها في اليوم التالي؟ كيف تتجول في أسواق الكرخ دون أن يترك كل عطار وبزاز وصائغ في سمعك قولاً لا يفارق ذهنك طيلة النهار لفرط فصاحته وبلاغته وحلاوته؟ أين تجد زهداً كافياً لتوصد باب بيتك كل ليلة في وجه بغداد وتنام؟

بلغ ابتهاجي ببغداد مبلغاً لم يخفَ على بدر وسودكين. شيء من لطف هذه المدينة يتأرجح بين الجلاء والخفاء. أحتاج لأن أصغي طويلاً حتى أعرف ماذا توشوش به بغداد في أذن العارف. وكنت أحتاج لذلك. دخلتها مبعثراً فجمعتني، غريباً فآوتني. وكنت على يقين أن نهايتي معها لن تكون كبقية البلاد الأخرى التي طردتني...

يريد الله أن يبتلي السالك حتى يرى طريقه، والعارف حتى يذوق إيمانه ويقلبني الله بين إصبعيه في المكان والزمان حتى أعرف قدر نفسي فلا أعدو عنها. ولكنه بين حين وآخر يسبغ علي من الطاقة الخفية ونعمه السخية كوجودي في بغداد هذا العام، لا ضيق ولا هم. في كل ركن مدرسة ترحب بكل علم وتقبل كل مذهب. في كل شارع بيت يستوقفك لتتأمل بنيانه وزينته. في كل بستان أشجار لم أرها من قبل وثمار لم أطعمها قط. في كل شارع سقاؤون يحملون الماء في أكواز مزينة بأجراس تدق دقاً لطيفاً ويسقون ماء بارداً كالثلج. وفي كل حي سوق يباع فيه ما لا يباع في سوق آخر.

هكذا يمضي الكاتب السعودي في وصفه لمدينة بغداد كما تصورها وحلم بها الأولون الصالحون.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابن عربي في بغداد ابن عربي في بغداد



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 17:10 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تتهرب من تحمل المسؤولية

GMT 07:31 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

أزياء ميلانا ترامب وفيلم ألكسندر ماكوين أبرز الأحداث

GMT 10:00 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

سعيد عبد الغني

GMT 01:40 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تيريزا ماي في السعودية لتغيير ملامح الحرب في اليمن

GMT 11:14 2016 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

التعددية سلاح ذو حدين عربيًا

GMT 21:45 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أجمل فساتين الزفاف في جلسة تصوير عروس 2016

GMT 03:53 2015 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

جزيرة فوليجاندروس أجمل مكان لمشاهدة غروب الشمس

GMT 02:43 2016 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

شرطة العاصمة المقدسة تحقق في انتحار "ثلاثيني" في حي جرول

GMT 03:36 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

شادي دكور يتألق في الحلقة الأولى من "أراب أيدل"
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq