استقالة عنقوديّة

استقالة عنقوديّة

استقالة عنقوديّة

 العراق اليوم -

استقالة عنقوديّة

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

بحثوا عن صفة تُعطي حكومة حسان دياب شيئاً من الشرعية فاهتدوا إلى حكومة «تكنوقراط» أو الاختصاصيين، لأن ذلك يبرر توزيع الحقائب على هذا العدد من المجهولين الذين لا صفة لهم ولا خبرة. الوحيد الذي كانت تنطبق عليه صفة الاختصاص، أي الإلمام بمهنته ومهمته، هو وزير الخارجية ناصيف حتّي. حمل حتي ثلاثة عقود من العمل الدبلوماسي في أرفع أشكاله وتنوّعه، سفيراً للجامعة العربية في باريس وروما، وأستاذاً جامعياً للعلوم السياسية. وإذ يستقيل بعد سبعة أشهر، احتجاجاً على ما لمَسَهُ من فشل وفراغ داخل الحكومة الباهتة، لا أدري إن كانت لا تزال تحمل صفة الاختصاص.

استقال حتي في بيان غاضبٍ يختلف كثيراً عن طبعِهِ ولغته الدبلوماسية. وفي تهمة شديدة الخطورة قال إن البلد بحاجة إلى عقول خلّاقة ونوايا صادقة، وكأنه يتهم الحكومة بخلوّها من الاثنتين معاً. استقال الرجل في سبيل لبنان وفي سبيل كرامته الشخصية. فقد وجد نفسه بين إهانتين لا يستطيع البقاء فيهما. الأولى تجاهل تام لدوره من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والثانية اعتداء كامل على دوره من خلال وزير الخارجية السابق جبران باسيل، الذي أصرّ على التعامل مع الوزارة وكأنها مِلك خاص يستبقيه لنفسه وحدها، أسوة بوزارة الطاقة ومجموعة أخرى من الوزارات التي يمارس فيها نفوذه المعلن.
يقول المفكر العربي جان عبيد إن على المشتغل بالسياسة أن يفرّق دائماً بين المكانة والمكان. فالثاني ممكن للكثيرين، أما المكانة فلا يُعطيها إلا صاحبُها. لقد اختار ناصيف حتي ألا يفقد سمعته بين اللبنانيين والعرب والأوروبيين، الذين عرفوا فيه هم أيضاً ذلك اللبناني العربي الذي يحترم نفسه ويحب بلده وأمته. لم يترك في كتاب الاستقالة غموضاً حول أسبابها ومسببيها معاً. والاستقالة من حقيبة أولى في الحكومة، ليست هواية أو نزقاً، في أي حال. لقد قبل الحقيبة بسهولة طبعاً، لكنه تخلّى عنها بصعوبة، وربما في أسى أيضاً. فلم يكن يريد أن يقاسم قوى السلطة الحاكمة، ولا أن يظهر استقالته وكأنها درس للآخرين. أو كأن الآخرين يعانون من نقص في الوطنية وفي الحرص على لبنان وفي طريقة الحكم والإدارة والأداء السياسي. لكن هذا مع الأسف ما حدث. وبيان الاستقالة ليس موجهاً إلى رئيس الحكومة بقدر ما هو موجّه إلى اللبنانيين وإلى العرب الذين عرفوا في ناصيف حتي رجل الخلق والكرامة وعزة النفس.
من كان مثله لا يرتضي الأسلوب المهين الذي عُومل به. وبعكس رئيس الحكومة ووزرائه، فالرجل كان وحده يملك ماضياً لا يجوز المغامرة به أو تجاهل السيرة الوطنية المرفقة. وقبل أن يسجّل التاريخ عليه فشلاً شخصياً أو فشلاً من ضمن المجموعة العامة، قرر الخروج من دون التطلع إلى الوراء. وسلّم رئيس الحكومة بياناً مكتوباً بحيث يتحول إلى وثيقة من وثائق مرحلة خالية من الإنجاز والعمل. إنها ليست استقالة فردية من منصب إداري حكومي، بل هي اعتراض صارخ، على أداء وطني وخلل قومي، يكاد يُخرج لبنان من أمّته وأسرته، بل هو قد وضعه، كما يقول الوزير المستقيل، في خانة الدول الخاسرة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استقالة عنقوديّة استقالة عنقوديّة



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 20:38 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

الهلال يتعاقد مع نجل الدولي السابق عبده عطيف

GMT 10:17 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

دون كيشوت" من أفضل 10 مطاعم في مصر

GMT 03:01 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

جورج وسوف يصرح "بشار الأسد مش هنلاقي أحسن منه"

GMT 00:52 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كوسوفو مدينة جميلة اكتشفها أنت وعروسك خلال شهر العسل

GMT 19:55 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

تعلمي طريقة تكبير الشفايف بالمكياج في البيت

GMT 19:29 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

الرئيس محمود عباس يزور مركز الإحصاء الفلسطيني

GMT 01:14 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

طريقة اعداد التورتة على شكل الرمان

GMT 21:15 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

غاري نيفيل يكشف سر نجاح كريستيانو رونالدو

GMT 07:46 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

سايرس مثيرة في بدلة مستوحاة من ثياب القراصنة

GMT 13:53 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

الإعلامي عمرو الليثي يزور مستشفى أبو الريش للأطفال

GMT 19:58 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

دار "Bulgari" تكشف عن مجموعة من العقود المرصّعة بالأحجار الكريمة

GMT 14:45 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الألوان المبهجة تسيطر على ديكور الشتاء هذا الموسم

GMT 23:14 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي تؤكّد أنّ من يزرع الفن سيحصد العالمية
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq