إيران ومتاهة القوقاز

إيران ومتاهة القوقاز

إيران ومتاهة القوقاز

 العراق اليوم -

إيران ومتاهة القوقاز

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

في مقدمة كتابه «جبال الله»، استعان الكاتب الصحافي سيباستيان سميث بالموروث الثقافي الشعبي لتوصيف جغرافيا بلاد القوقاز وقاطنيها، حيث تقول الأسطورة إنَّ «الله عندما خلق الدنيا، نشر الأمم عبر البسيطة، ونشر عبر جبال القوقاز وأوديتها خليطاً من كل الأعراق، لذلك أطلق الرحالة القدامى على القوقاز لقب (جبال اللغات). حيث عبر اليونان والفرس والرومان والعرب والمغول والأتراك هذه المنطقة، التي أثار جمالها خيال الشعراء والفنانين رغم تاريخها المأساوي، حيث إنها بليت بسلسلة مستمرة من الأزمات».

فالمآسي والأزمات بين دول وشعوب القوقاز مستمرة، ما دام ثوب الجغرافيا أضيق من طموحات بعض الدول الكبرى أو المستكبرة، المسكونة دائماً بوهم أو هاجس إمبراطوري تحاول استعادته رغبة بتوسع وثراء، وبهدف تحقيق النفوذ والثروات ارتفعت حدة الصراعات الجيوسياسية والجيواستراتيجية التاريخية على الحيّز الجغرافي الذي يقع ضمن المثلث الروسي - التركي - الإيراني. فمنذ أكثر من قرن لم تعد بلاد القوقاز ممراً للجيوش أو للقوافل المتنقلة ذهاباً وإياباً على طريق الحرير، فقد تحولت جغرافيا القوقاز المتعبة والمقلقة دائماً لسكانها ولجوارها من معابر للغزاة إلى ممر لتصدير الطاقة، بعد اكتشاف الحرير الأسود، حيث استبدلت قوافل الحرير الأبيض والتوابل بأنابيب الغاز والنفط، وقامت الدول مقام القبائل في دور حراستها، كما كانت تحرس القبائل القوافل وترسم طريقها ومحطاتها وتفرض ضرائبها.
في المقابل، توارثت إيران وتركيا التنافس العثماني الصوفي على القوقاز الذي وضعت بطرسبورغ القيصرية شروطها عليه سنة 1828، في اتفاقية تركمنشاي مع إيران القاجارية ومن ثم موسكو السوفياتية حتى 1991.
مما لا شك فيه أن اكتشاف النفط والغاز فرض متغيّرات سياسية اقتصادية واجتماعية أثرت على العلاقات بين دول ما وراء القوقاز (جورجيا، وأرمينيا وأذربيجان) وعلاقتها مع جوارها، ما سرّع بعودة التنافس التركي - الروسي - الإيراني من جديد، وأدَّى إلى تغيرات جوهرية على مستوى التحالفات والنزاعات، حيث تحاول موسكو استعادة دورها في المجال الحيوي السوفياتي، وتنشغل أنقرة بتثبيت حضورها في العالم التركي الممتد من آسيا الوسطى إلى ما وراء القوقاز، فيما تعيش طهران أزمة خيارات قاتلة فرضتها ضرورات حماية ما تبقى لها من مصالح بشروط سياسية قاسية، دفعتها إلى تجاوز عقدة الجوار وإدارة الظهر للروابط العرقية والانتماءات المذهبية، لذلك لم تتردد سابقاً في الوقوف إلى جانب أرمينيا ضد أذربيجان في معركة التنافس الجيوسياسي مع تركيا على هذه المنطقة الحيوية، بالتفاهم مع موسكو.
لكن في المواجهات الجديدة تواجه طهران تحديات داخلية وخارجية تهدد استقرارها، فداخلياً لم يعد بإمكانها المجاهرة بدعم يريفان خوفاً من ردة فعل مواطنيها من الأذر الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 28 مليوناً، ويمتلكون دوراً كبيراً في إدارة مؤسسات الدولة وفي الاقتصاد، الأمر الذي دفع كبار شخصيات النظام إلى تجنب إعلان أي انحياز، وإظهار الحياد بهدف ضمان الاستقرار الداخلي، وذلك بسبب سوء العلاقة بين المركز والأطراف التي باتت تهدد وحدة التراب الإيراني نتيجة صعود الهويات القومية بوجه هوية النظام العقائدية.
فقد كشفت تداعيات أزمة ناغورنو قره باغ عن صعود الهوية الأذرية على حساب الهوية الوطنية في إيران، وتماسكها مع المشتركات القومية والدينية في الجانب الآخر من الحدود أدى إلى بلورة هوية شيعية تركية منافسة للهوية الشيعية الإيرانية، التي يبني عليها نظام طهران شرعيته، فإعادة بلورة الهوية الشيعية التركية المتناغمة قومياً مع الهوية السنية التركية ستلحق أضراراً داخلية وخارجية بطهران.
أما على الصعيد الخارجي، فإنَّ هذه الجولة من المواجهة التي كشفت عن اندفاعة تركية - أذربيجانية وارتباك روسي، أدَّت إلى مزيد من الارتياب الإيراني، خصوصاً أن هذه المواجهة تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي، خصوصاً بعد أن قامت تركيا بنقل مرتزقة سوريين إلى مناطق النزاع، ما دفع الرئيس روحاني إلى انتقاد أنقرة علانية، حيث قال: «إيران لن تسمح للدول بإرسال الإرهابيين إلى حدودنا تحت ذرائع مختلفة». وبالنسبة للأمن القومي الإيراني، فهذه المرة الأولى التي يوجد على حدوده ميليشيات معادية من الممكن أن تتسلل إلى الداخل الإيراني وتتسبب في أعباء أمنية، خصوصاً أن معظم هذه الميليشيات من الجنسية السورية الذين يتهمون إيران بتدمير بلادهم من أجل حماية نظام أقلوي تهيمن على قراره، وهؤلاء قد تكون لديهم رغبة بالانتقام مما فعلته مرتزقة إيران بالشعب السوري منذ قرابة 9 سنوات.
وعليه، فإن موقف نظام طهران الجديد من الصراع ليس نتيجة سياسية عقلانية، بل بسبب عجزه في فرض حضوره السياسي أو الميداني خوفاً على سلامة واستقرار النظام السياسي في مرحلة انتقالية قد يؤدي سوء التقدير إلى دخول إيران في متاهة القوقاز ووعورة مسالكه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ومتاهة القوقاز إيران ومتاهة القوقاز



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

GMT 07:49 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ريتا أورا تحتفل بألبومها الثاني الذي ينتظره الجميع

GMT 15:03 2020 الإثنين ,18 أيار / مايو

فساتين خطوبة مطرزة لإطلالة إستثنائية فخمة

GMT 04:09 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يعثرون على أصغر كوكب خارج المجموعة الشمسية

GMT 00:55 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

فؤاد قرفي يكشف عن مجموعته الجديدة من الأزياء

GMT 00:26 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

أجمل معاطف كيت ميدلتون موضة 2021 لمناسبة عيد ميلادها

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

البنك المركزي يصدر تعميم جديد يحدد سعر الصرف

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

تعرف على أسعار سيارات نيسان "بيك أب" بعد زيادة يونيو

GMT 08:09 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 08:53 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

"سيلفرمين" في السويد يعد من أغرب فنادق العالم

GMT 00:36 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

سارة سيد تكشف عن مميزات السياحة في ألمانيا

GMT 18:21 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

أحمد فهمي يتقدم بطلب الزواج من الفنانة رانيا يوسف

GMT 15:43 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

قوات الشرطة تحبط محاولة تفجير في مدينة العريش الثلاثاء

GMT 12:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لعبة MOBA الجديدة Mobile Legends متوفرة الآن على الهواتف الذكية

GMT 02:49 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر ضمن أفضل 10 دول في حجم القوات البحرية

GMT 03:49 2013 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

الشمس تقلل فرص الإصابة بالروماتويد

GMT 01:40 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مارتن لاف يكشف أبرز مزايا سيارة "إكس-ترايل" الجديدة

GMT 09:16 2013 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

الفراعنة أول من عرفوا السلم الموسيقي

GMT 16:11 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

التليفزيون المصري يعرض المسلسل النادر "مبروك جالك ولد"

GMT 08:33 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

صور لمناطق صينية غير مأهولة بالسكان تبدو كمدينة الأشباح
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq