سوريا بين قيصرين

سوريا بين قيصرين

سوريا بين قيصرين

 العراق اليوم -

سوريا بين قيصرين

بقلم - مصطفى فحص

ترفض واشنطن مجدداً منح موسكو الفرصة لاستثمار ما تعتبره إنجازاً كاملاً في سوريا، بعد الانتهاء شبه الكامل من الأعمال العسكرية ضد فصائل «الجيش السوري الحرّ»، وضد بعض الفصائل المتشددة من أمثال «داعش» وأخواتها، التي لم تزل قادرة على التحرك بحريةٍ في الأماكن التي تُركت لها.
فقد عطل قانون «قيصر» الذي أقرّه مجلس النواب الأميركي، وينتظر تصويت مجلس الشيوخ عليه، كل الجهود الروسية لإحلال السلام في سوريا وفقاً لشروط المنتصرين بالحرب، باعتبار أن موسكو ومن معها قد تمكنوا من الحفاظ على النظام، وعلى ما تبقى من مؤسسات الدولة، وبأن المرحلة تفرض اعترافاً دولياً وإقليمياً وعربياً بهذا الإنجاز الذي يضع سوريا المفيدة المُوسعة جغرافيا تحت الوصاية الروسية، التي تطالب بعودة التعامل مع نظام دمشق إلى ما قبل 18 مارس (آذار) 2011، باعتبار أن المعادلة الميدانية والسياسية التي يجب أن يُقر بها الشعب السوري هي استحالة إجراء تغييرات جوهرية في شكل النظام، بعدما أقرّ الأوروبيون أن خيار الاستقرار مع النظام أسلم من الرهان على مجهول قد يتيح للجماعات المتطرفة الانقضاض من جديد، ما قد يتسبب بتهديد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، إضافة إلى استمرار واشنطن في ممارسة سياسة التناقضات التي أدت إلى عدم الثقة العربية والدولية في مواقفها، فالتراجع الأميركي أتاح للروس المجال للمناورة بعد قرار ترمب المفاجئ بالانسحاب، الذي صدم مؤسسات صنع القرار الأميركي التي سارعت إلى الالتفاف عليه وتفريغه من مضمونه، باعتباره يؤثر سلباً على الحسابات الاستراتيجية طويلة الأمد لمشروعات النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط الكبير.
فقيصر موسكو وجد في الارتباك الأميركي والضعف الأوروبي، وحاجة الدول العربية إلى حل الأزمة السورية فرصة للضغط على دول المنطقة من أجل إعادة التطبيع مع نظام الأسد تحت شعار ملء الفراغ العربي، نتيجة المقاطعة الجماعية العربية للنظام، لكن الخطوات العربية الخجولة للتطبيع تراجعت نتيجة عوامل اجتماعية وشعبية وحسابات الأمن الجماعي العربي الذي لم يزل يفقد الثقة بالنظام، وبصعوبة إقناعه بالقيام بخطوات حقيقية لتحريك العملية السياسية، إضافة إلى الشرط الأبرز الذي من المستحيل أن يتحقق في ظل تركيبة النظام الحالية، وهو التخفيف التدريجي من ارتباطه بإيران، فقد كان بيان وزير الخارجية المصري سامح شكري في 8 يناير (كانون الثاني) 2019 الحد الفاصل ما بين رهان دمشق وشروط العرب، بعدما أكد شكري أن بلاده تدعو الأسد لاتخاذ إجراءات للعودة إلى الجامعة العربية، في مقدمتها تطبيق القرارات الأممية، وهذا ما عاد وأكد عليه وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير قبل يومين في اجتماع بروكسل، وقد أدت إعادة التعريف العربي لشروط العودة إلى إنهاء فكرة المشاركة العربية في إعادة إعمار سوريا بعد ربطها بتطورات العملية السياسية التي تُحقق للشعب السوري أهدافه، التي من المستبعد أن توافق عليها موسكو وطهران، ومن المستحيل أن يطبقها النظام باعتبار أنها تمسه في جوهره وقد تتسبب في تغيير بشكل السلطة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، ما يؤدي إلى إضعاف قبضته على الدولة. 
هذه الهواجس لدى النظام وطهران دفعت موسكو إلى التدخل في تركيبة اللجنة الدستورية وتطعيمها بعناصر قد تصوت على بنود لصالحها، في مقدمتها السماح للأسد بالترشح لدورة رئاسية جديدة، وهو الأمر الذي من المحتمل أن يضع قانون «قيصر» الأميركي حداً له.
فسوريا الذبيحة بين قيصرين؛ الأول يرى فرصة لبلاده في تثبيت حلمها التوسعي على شواطئ المتوسط؛ يلاحقه الوقت والقلق من انعكاس ما تعاني منه بلاده من أزمات اقتصادية، إضافة إلى زيادة في النفقات العسكرية نتيجة استدراج واشنطن لموسكو لسباق تسلح جديد يعيد إلى أذهان الروس مرحلة حرب النجوم ومستنقع أفغانستان.
فسوريا التي وصفها ترمب بأرض الدماء والرمل، الخالية من ثروات، تشبه أفغانستان الفقيرة والقاحلة، لكنهما يمثلان موقعاً جيوستراتيجي يفرض نفسه على ممرات الطاقة الجديدة، ويعتبران محطتين أساسيتين على طريق الحرير الجديد وأسواقه الهائلة، لذلك عملت واشنطن من خلال إقرار مشروع «قيصر» على تعطيل مشروعات إعادة الإعمار وربطها بالعملية السياسية، ووضع مزيد من العقوبات على كل الجهات المحلية والخارجية التي قد تشارك في إعادة الإعمار التي تروج لها موسكو، فالعقوبات الأميركية الجديدة تستهدف مباشرة الكتلة المالية للنظام، حيث تعمل واشنطن على تفكيكها وحصارها ووضعها تحت مقصلة العقوبات من أجل قطع الطريق على أي استثمارات قد تساعد النظام على الاستمرار، أو تخفف الأعباء المالية عن موسكو وطهران بانتظار قرار الحسم أو استمرار الاستنزاف.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا بين قيصرين سوريا بين قيصرين



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

GMT 21:41 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 19:36 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

الدكتور ماهر عبدالوهاب لـ"العرب اليوم":

GMT 13:01 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

دراسة تكشف فوائد وسلبيات حمية البيض لفقدان الوزن

GMT 16:59 2020 الخميس ,10 أيلول / سبتمبر

"دويتشه بنك" يتوقع حلول "عصر الفوضى"

GMT 08:21 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

أمل كلوني تخطف الأنظار في أحدث جلسة تصوير

GMT 03:51 2018 الأحد ,04 شباط / فبراير

تعرفي على طرق صحية وفعّالة لتطويل الشعر

GMT 22:06 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

حامد إسماعيل ينتظم في تدريبات السد القطري

GMT 16:39 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

5 أفلام جديدة اختار صناعها أسماء غريبة للفت الانتباه

GMT 02:27 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

إيمان سلامة ترفض تجسيد شخصية سعاد حسني في أي عمل درامي

GMT 20:00 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

سعر الجنية المصري مقابل الجنيه سوداني الأربعاء

GMT 13:44 2018 الإثنين ,04 حزيران / يونيو

انتهاء عقد اللاعب عوض خريص مع نادي الاتحاد

GMT 11:11 2018 السبت ,14 إبريل / نيسان

تعرف علي أفضل المطاعم المميزة في روسيا

GMT 06:25 2018 الثلاثاء ,03 إبريل / نيسان

العلماء يؤكّدون أن الكاكاو مصدر غني بالمعادن
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq