وجدي معوض مسرحي أوجاع الذاكرة
آخر تحديث GMT05:21:44
 العراق اليوم -

وجدي معوض مسرحي أوجاع الذاكرة

 العراق اليوم -

 العراق اليوم - وجدي معوض مسرحي أوجاع الذاكرة

باريس ـ وكالات

في الأيام الأخيرة من مهرجان «أفينيون»، تجمّع حشد كبير من الجمهور الفرنسي أمام أحد المسارح الواقعة في قلب المدينة القديمة منتظرين بدء عرض «موعد مع وجدي معوض» وهي المسرحية الجديدة لهذا الكاتب والمخرج الكندي، اللبناني الأصل. يُعدّ وجدي معوض اليوم واحداً من أهم الكتاب المسرحيين في العالم. فبعد حصوله على الجائزة الكبرى لنقاد المسرح عن نصه الأول «ويلي برتاغوس محبوساً في المراحيض»، كتب أعمالاً طرح فيها إشكاليات فلسفية لغوية. واستطاع إيجاد الشكل الفني الخاص به، النابع بالضرورة من إيمانه بكون المسرح منبراً اجتماعياً وثقافياً، تشكل فضاءه الكلمة، وتكون حجر الأساس في بناء العالم بأكمله. وتعتبر ثلاثية معوض، «ساحل» (1999)، «حرائق» (2003)، «وحيدون» (2008)، التي حلّ بها ضيف شرف على مهرجان أفينيون عام 2009، وعرضها في ليلة واحدة في ساحة الشرف في قصر البابوات، مثلاً حياً على نجاحات معوض المسرحية، علماً أنّ الأعمال السابقة وضعت صاحبها مع الأسماء الكبيرة في عالم المسرح المعاصر. يستكمل الفنان الكندي اللبناني الأصل في عمله الجديد «موعد مع وجدي معوض» مشروعه المسرحي الذي بدأه قبل ما يزيد على عقدين من الزمن. معوض الذي يصعب في أعماله تلمس الحدود الفاصلة بين الخاص والعام، بين الحاضر والتاريخ، يذهب في اشتغاله هذا للأقصى هذه المرة، ليكون العمل على النحو التالي: وجدي معوض يقدم وجدي معوض، والذاكرة ترخي بظلالها على الآن، لتفرض زمنها، زمن العرض. يستخدم معوض في عمله الجديد أدوات بصرية وصوتية عدة (مقاطع صوتية، مقاطع فيديو، رسوم)، محاولاً تطويعها، لتكون موادّ تساعده بعملية النبش في الذاكرة. النبش هنا ليس بقصد استعادة حادثة بحد عينها فقط، بل لاكتشاف طبيعة العلاقة بين مجمل هذه العناصر أيضاً. حفر في الذاكرة، بغية تلمس آلية عملها، مستعيناً صاحب «موعد مع وجدي معوض» بالعناصر الصوتية والصورية، ذلك بالتوازي مع البحث عن معنى الكلمة وغايتها. لذلك يبدو وجدي في هذا العمل، كما لو أنه «كاسبر» بيتر هاندكه، من حيث علاقته بالعالم الخارجي، وأثر اللغة عليه. يستعرض معوض في بداية عمله حادثة من ذاكرته، فعندما كان طفلاً بقي عنف والده الشديد راسخاً في ذاكرته، فما كان من الطفل وجدي إلا أن جاء بصدفة من البحر، وكان يخفيها في ثيابه، عندما يبدأ والده بالصراخ غضباً، كان وجدي يمسك بتلك الصدفة، ليفرغ غضبه فيها. سنة بعد الأخرى، اكتشف أنّ شيئاً من غضب والده قد تسرّب إلى شخصيته، فتلك العملية التفريغية لم تعالجه سوى لحظياً. في السياق نفسه، عُرض على شاشة الفيديو مقطع بعنوان «الرجل الكلب»، وقد برع معوض في أدائه التمثيلي فيه، بحيث صوّر لحظات تصاعد العنف، مستخدماً فيه عضلات وجهه كافة، بجحوظ عينين معوض وسيلان لعابه التصاعدي، المترافق مع صوت التوحش، الذي يزداد افتراقه عن البشري، لحظة تلو الأخرى. الغريزة ترتب أفعالنا وسلوكنا المكتسب، حيث لا يملك الآدمي خياره، ففي أحسن الأحوال يحاول فهمها فقط. لم يكتفِ صاحب «ألفونسو» بعدة حلول بصرية غايتها الأساسية هي عزل الكلمة، بمعنى آخر، أن تكون الصورة أكثر استقلالاً، ففي هذا السبيل يكتب على اللوحة الخلفية عبارات عدة، ما يجمعها أنّها رسخّت بذاكرته كشكل صوري فقط. فالصورة هنا أساس للكلمة. لذلك كانت معظم الجمل التي كتبها معوض بالعربية والفرنسية على اللوحة الخلفية، تحتوي على أخطاء نحوية وإملائية. وأراد وجدي أن يذهب أبعد من ذلك، ليكتشف مع جمهوره، كيف تخزن الذاكرة صورها وكلماتها؟ وفي الاشتغال نفسه، يقوم وجدي معوض بتقديم مقاطع صوتية عدة، منها ما هو مرتبط فيه شخصياً، كحواراته مع أصدقائه، أو مع ابنته. كما يحاول في أحد المشاهد أن يربط بين الصوت والكلمة نفسها. فيردد كلمات معينة وهو يمضغ الطعام أو يشرب الماء، ليظهر اختلاف أصواتها، لكنها تعطي المعنى نفسه. ويردد رشاً ودراكاً أسماء أسلحة «آر بي جي»، «كلاشينكوف»، و «m16». يجزئ وجدي اسم كل منها ليصير قريباً من صوت إطلاقها للنيران، وكأنّ الاسم قد اشتق من آلية عمله. هنا تكمن سطوة السلاح أيضاً، فالإنسان يقترف صوت السلاح نفسه من دون أن يشعر، ليصير صوت السلاح مألوفاً عند البشر، بمجرد ترديده للاسم مرات عدة، فذكر اسم السلاح يحيل إلى فعله وصوته، كما يحيل إلى شكله، وهذا جرم آخر يرتكبه السلاح بحق المخيلة البشرية. الخلفية التي احتوت رسوم معوض وكلماته، والتي عرض عليها أيضاً، المقاطع الفيلمية التي صنعها، قام وجدي بطلائها كاملة، ثم لفّها حول جسده. كان لا بد لوجدي معوض من أن يواجه نفسه، فجلس أمام غبار ذاكرته وأوجاعها، أزال عن يديه ووجهه ما استطاع إزالته من آثار الطلاء والكلمات والصور (آثار الماضي)، وجلس في نهاية عرضه متأملاً شبح ذاكرته الذي يكبر أمامه يوماً بعد الآخر. تثير علاقة وجدي معوض بالحرب الأهلية اللبنانية جدلاً طويلاً، فتبرز على الواجهة الأسئلة نفسها التي تثيرها تجربة أخرى كتجربة الشاعر الأميركي الصربي تشارلز سيميك، الذي غادر بلاده مبكراً إلى الولايات المتحدة الأميركية، لكنّ يوغسلافيا والحرب التي شهدتها ظلت في صلب أعماله. خلال عرض مسرحية «موعد مع وجدي معوض» يسأل وجدي عن صحافي متواجد في الصالة، ليتقدم للخشبة ويجلس أمام وجدي ويسأله ما يشاء. يجيب معوض الصحافي الفرنسي عن سبب استخدامه للرسوم والصورة بالعموم في أعماله بـ «أن الكلمة لم تعد تسعفه، بل يجدها عاجزة أحياناً عن قول ما يريد قوله». العرض بعناصره البصرية والصوتية، وبالكمّ الهائل من الأسئلة التي يشرعها، بالإضافة إلى أجوبة معوض، دفعني إلى سؤاله مباشرة باللغة العربية: «بحسب وجدي معوض، من يخلق الآخر؟ الصورة أم الكلمة؟»، جاء جواب وجدي سريعاً، كافياً ووافياً، وهو على الخشبة أجاب باللهجة المحكية اللبنانية: «بأوروبا الصورة هي اللي بتشكل الكلمة، لكن بس كون بلبنان، بلاقي العكس تماماً: الكلمة بتخلق... هي اللي بتخلق كل شي».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وجدي معوض مسرحي أوجاع الذاكرة وجدي معوض مسرحي أوجاع الذاكرة



GMT 09:51 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

تفاصيل " المندرة " عمل مسرحي عن "كورونا"

GMT 12:32 2020 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

قصتا طه حسين وعلى مبارك فى عرض مسرحى بالجمهورية

GMT 20:35 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

وزير الثقافة في ضيافة الرعض المسرحي" البخيل "

GMT 05:28 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

"اهتزاز" تواصل عروضها على مسرح مركز الهناجر

GMT 08:25 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

"س" تنظم مسابقة أفضل نص مسرحي في الجنوب

GMT 15:02 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

تملك أفكاراً قوية وقدرة جيدة على الإقناع

GMT 21:13 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تحسن المؤشرات السياحية في العشرة أشهر الأولى في الأردن

GMT 22:32 2017 الأحد ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بسمة وهبة تقدم برنامج "هنا القاهرة" بدءًا من الثلاثاء

GMT 11:47 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"داعش" يسيطر على "القريتين" في ريف حمص ويعدم 11 جنديًا

GMT 12:37 2019 السبت ,11 أيار / مايو

نهى نبيل توجّه رسالة صُلح إلى حليمة بولند

GMT 09:51 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

أشهر السيارات النسائية ذات الحجم الصغير والمتوسط

GMT 13:46 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكرواتي مارين سيليتش يرفع راية التحدي في وجه الكبار

GMT 03:26 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

حقيبة "كيلي هيرميس" أناقة بلا حدود بمختلف الأنماط

GMT 13:52 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

تحقيقات جنائية مع ستيف بينيزوتو إثر خطأ في مباراة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq